الخبر السوداني

لو كنت تدري ما النهود لطويت الأرض طي ….

كتب / الغالي الزين

هذا شطر من بيت شعر متداول منذ زمن ينسبه البعض للأديب الدبلوماسي ورئيس الوزراء الأسبق محمد احمد المحجوب و لعله صدر من البيت :
الناس مرقدها النهود و انت مرقدك الخوي
لو كنت تدري ما النهود لطويت الأرض طي .
و يورده آخرون بصيغة أخرى :
الناس مرقدها النهود و انت مرقدك الخوي
لو كنت تدري ما بين النهود و الخوي
لطويت الأرض طي
على كل حال أنا هنا لن اهتم بمن قال لكني أوردتها للتسلية و بيان الطرف الأدبية التي ترمي لأبعاد تجعل القاريء يخوض في بحورها و سيتنتج معانيها ليستمتع بحلاوتها ……
النظرة العامة لهذه الأبيات تحصر القاريء بين تفسيرين :
الأول هو مجرد مداعبة أدبية بين شاعرين أحدهما بات بالنهود وذاق فيها حلاوة المبيت ليغيظ الذي بات في الخوي و هي إحدى المدن الاقتصادية في دار حمر بغرب كردفان و عانى فيها ويلات المبيت ، كأنه أراد أن ( يكاوي ) صاحبه و يقول له انك ما رأيت من الجمل إلا ( أذنيه ) …..
الثاني تلميح بأن النهود موطن جمال لا يلتمسه إلا من بات فيها و طاف شوارعها و تحسس مواطن جمالها……
بعيداً عن وجهات النظر الأدبية و النواحي الجمالية فالنهود مدينة علم و ثقافة في المقام الأول تخرج منها علماء و إعلاميين و سياسيين و دبلوماسيين كانت و ما زالت لهم بصمات واضحة في نهضة و بناء السودان و أنها مركز ثقل اقتصادي هام في إنتاج الحبوب الزيتية من الفول السوداني و السمسم و حب البطيخ إضافة إلى محصول الكركدي و الصمغ العربي بجانب الثروة الحيوانية و أبرزها الضأن الحمري الذي تصدر مقعداً متميزاً في أسواق الصادر …..
بناء على هذه المعطيات ليس من الغريب أن تكون النهود هدفاً للطامعين في ثروة و خيرات السودان ….
لذلك لم يكن تشديد الحصار عليها و منع تصدير المحاصيل منها جاء فراغ بل هو أمر مدبر و خطة مرسومة لزمن محدد تتجمع فيه كل هذه الثروات في مركز المدينة ليسهل نقلها بضربة واحدة …..
الاستعداد لاحتلال النهود بدأ بلعبة (القط و الفأر) ……
القط قبل أن يهجم على ضحيته من الفئران فهو يلاعبها فيرقص لها ثم يربض على الأرض يهز ذنبه ليوهمها أنه تعب من الرقص فتهدأ هي الأخرى مصدقة مكر القط فتنام غريرة العين فينقض عليها ….
الخطة التي وضعت لغزو النهود لم يكن بوسع مليشيا الدعم السريع وضعها لأن التخطيط للحروب يوضع باستراتيجيات مدروسة بواسطة خبراء عسكريين لديهم الخبرة الكافية لإدارة المعارك و معرفة طبيعة أرض المعركة و مقدرات الخصم العسكرية و إمكانياته التسليحية و البشرية و الوجستية و تحديد ساعات الصفر مع حسابات الخسارة البشرية و المادية …..
كل ذلك و غيره من الخفايا العسكرية التي لا نعلمها يعتمد على حزم معرفية و تكتيكية و استراتيجية لا يعلمها إلا الراسخون في علوم العسكرية . و ما مليشيا الدعم السريع إلا أداة كالتي تستخدمها فرق سلاح المهندسين بالجيوش لجس الطرق و تنظيفها من الألغام كما كانت تفعل الجيوش في السابق و اليوم ……
أكثر الأدوات التي كانت تستخدمها هذه الجيوش لكسح الالغام سابقاً هي الدفع بقطعان من (البغال) و (الحمير) لتفجير الألغام و تمهيد الطرق لتسهيل سيرها من دون أن تتعرض لخسائر بشرية أو المادية و الإقتصادية و لم نسمع يوماً أنها استخدمت قطعان الأبقار و الأغنام في ذلك . مع أن الله قال أن الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة لكن الانسان سخرها لغير ما خلقت له……
فالدوائر الخارجية التي تقف وراء مليشيا الدعم السريع كأنما تبدلها محل البغال و الحمير ، و لربما رأت أن نقلها و حركتها أخف من تلك ، و أن الرفق بالحيوان أولى من الرفق بالإنسان ! ، و أن جماعات الرفق بالحيوان تمنع استخدامه في غير مكانه . ورأى المخدمون أن مليشيا الدعم السريع لا تحتاج لرعاة لتوجيهها و فنيين لتحريك آليات تمشيط و تمهيد الطرق ، كما أنها أكثر وفرة و أقل تكلفة من البغال و الحمير !! ….
الحكمة من إرسال البغال و الحمير في أنها لا تعي الغرض من إرسالها ما دام أمامها العشب الذي تعتقد أنها أرسلت لترتعه و بالتالي لا يهمها جمال المنظر و حسن المظهر فتأكل ما يؤكل و تقضي على كل حسن و مظهر …..
هكذا فعلت مليشيا الدعم السريع بمدن و قرى و أرياف و بوادي السودان فلا يهمها التخريب و القتل من أجل الحصول على ( علف ) الغنائم ….
كما دُفع بهم لتفجير الألغام في الخرطوم و مدني و سنار و سنجة و ام روابة و الرهد و مناطق كثيرة من ولايات الجزيرة و النيل الأبيض و الأزرق ليصبحوا ضحايا هذه الألغام و تتفرق أشلاؤهم في العراء هو كما دفع بهم الى محرقة الفاشر ……
وهم دائماً تبع الشواقير كلما أخضرت أرض تحولوا إليها و لعلهم قرأوا عن مرقد النهود و الخوي فطووا لهما الأرض طي يدفعهم الطموح لاستباحة الأبيض أبو قبة و على الجيس ان يدرك أن البقر السائبة لا تتوجس من الدخول لأي مرتع حتى و لو يكلفها الموت و الفناء ….
ذكرتني ممارسات مليشيا الدعم السريع هذه بطرفة حكاها لنا المرحوم سليمان جمعة سهل طيب الله ثراه قال :
قامت المزروب منذ نشأتها مدينة تجارية و كان والدهم سهل ناظراً عليها . فوفد إليها التجار و الجلابة ( الذين يجلبون البضائع ) أو البهائم كما في قاموس المعارف المحلية القديم ….
يقول أن الجلابة طلبوا من والدهم أن يملكهم أراضي فرفض ….
و رفعوا ضده شكوى للمأمور ( الحاكم ) الانجليزي و استدعاه في ذلك فقال و الكلام لسليمان :
قال والده مخاطباً المأمور أن أرضه هذه حازها بالسيف من القبائل المجاورة لا يمكن أن يفرط فيها و سأل المأمور هؤلاء الجلابة جاؤوا من البحر و عندهم أراضي في البحر ، فأذا ذهب ناسي للبحر هل يجدوا أرض ؟
قال اجابه المأمور بلا ….
فقال والده قولة مشهورة ( الجلابة ديل زي الجراد ينزل في الشدرة الخدرا يصبحها عدان و يفوت يخليها ) كان دايرين إيجار يبنوا و نأجر ليهم لكن ما منملكهم أرضي…..
فقال المأمور :
( He is excactly tru) بمعنى أنه تماماً محق….
و قال شيخ سليمان أنه وجد هذه الرواية أخيراً مخطوطة في مجلس بارا عندما كان ضابطاً فيه …..
ظني أن زرقاء الأبيض ترى أشجاراً تسير ، و هل من يصدق زرقاء الأبيض؟؟؟…….
و ألا يا قومنا استعدوا
فلو تُرِك القطا ليلاً لنام ! …….
و مرقد النهود و الخوي ليس للراحة و التنزه هذه المرة …..
فبالأمس رقد فيهما أديبٌ شاعرٌ ، و اليوم يرقد فيهما ماكرٌ و فاجرٌ ……. !

الغالي الزين حمدون
٢٠٢٥/٥/٤م .

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.