متابعات الخبــــــر الســـوداني
كتب :د. أحمد علي عبدالقادر
في خطوة تعكس التغيرات العميقة في المشهد الإقليمي والدولي، أعلنت تركيا والإمارات عن مبادرة مشتركة للوساطة في هدنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في محاولة لوقف نزاع دموي استنزف السودان وأشعل أزمة إنسانية غير مسبوقة. تأتي هذه الوساطة كجزء من التحركات الدبلوماسية المتسارعة التي تهدف لإعادة الاستقرار إلى دولة تُعتبر محوراً استراتيجياً في القرن الإفريقي والبحر الأحمر. وبينما تحمل المبادرة وعوداً بإنهاء العنف، فإنها أيضاً تكشف عن طموحات البلدين لتعزيز نفوذهما السياسي والاقتصادي في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً.
الوساطة بغرض الهدنة التي تعرضها تركيا( التي في الواجهة) بالتعاون مع الإمارات (في الخلفية) و (المغضوب عليها من قبل الجيش) تعكس أبعاداً سياسية ودبلوماسية ترتبط بمصالح إقليمية ودولية. إليك تفسيراً لهذه الخطوة:
فيمكننا إجمال الدوافع التركية في ثلاثة نقاط مهمة:
أ. توسيع النفوذ الإقليمي:
تركيا تسعى لتعزيز دورها كوسيط مؤثر في النزاعات الإقليمية، وهو جزء من سياستها لتأكيد موقعها كقوة إقليمية ودولية.
نجاح الوساطة قد يعزز صورتها كدولة داعمة للاستقرار في إفريقيا، خاصة بعد أدوار مشابهة لها في ليبيا والصومال.
ب. مصالح اقتصادية واستراتيجية:
السودان يمثل أهمية استراتيجية لتركيا، إذ يُعتبر بوابة للنفوذ التركي في إفريقيا جنوب الصحراء.
السودان كان شريكاً اقتصادياً مهماً لأنقرة، خاصة في مجالات الاستثمار الزراعي والبنى التحتية، وعودة الاستقرار تعزز هذه المصالح.
ج. تحسين العلاقات مع القوى الإقليمية:
تركيا تستفيد من التعاون مع الإمارات لإظهار توافق سياسي في الملفات الإقليمية، ما يعزز التحالفات الاقتصادية والسياسية التي شُكلت حديثاً بينهما.
ويعكس توقيت الوساطة التغيير في موقف المجتمع الدولي فالضغوط الدولية المتزايدة لإنهاء الحرب في السودان، خاصة بعد تفاقم الأزمة الإنسانية وتدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة تستوجب ذلك.
فتركيا والإمارات تستغلان هذه اللحظة لتعزيز مكانتهما كقوى قادرة على تحقيق اختراق في الملف السوداني.
و ثمة نقطة أخرى مهمة هي الإرهاق العسكري للأطراف السودانية الجيش و مليشيا الدعم السريع يفرض منطقية الهدنة مع طول أمد الصراع واستنزاف الجيش السوداني و مليشيا الدعم السريع، قد يكون هناك استعداد أكبر من الطرفين لقبول الهدنة.
كما أن هناك أبعادا سياسية للوساطة أهمها التحالف الدولي الجديد الذي بدأ يتشكل؛ فالوساطة قد تُظهر تقارباً بين تركيا والإمارات كقوة دبلوماسية جديدة في المنطقة، بعيداً عن الأدوار التقليدية للقوى الغربية أو الاتحاد الإفريقي.
و قد تكون هذه الخطوة محاولة لتقليص تأثير القوى الأخرى المتورطة في حرب السودان ، وإعادة توجيه المسار السياسي بما يخدم مصالح تركيا والإمارات فالعقلية الإماراتية دائماً ترى أو تتوقع أن السعودية مثلا متواجدة في منطقة ما كمنافس مباشر لها.
فلو تحدثنا عن فرص نجاح هذه الوساطة التركية الإماراتية فهذا يعتمد على استعداد الأطراف السودانية و مدى قبول الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع لوقف إطلاق النار، وهو أمر مشكوك فيه بسبب تعنت الطرفين في المفاوضات السابقة؛ وعلى رأيي الشخصي أرى بأن الأمر مجرد عملية شراء وقت باطالة الحرب حتى الفراغ من مشاريع محددة.
ولكن يبقى السؤال الأهم هنا هل سيتم تقديم ضمانات دولية كافية لتنفيذ الهدنة ومنع الانتهاكات؟هل سيتم التنسيق مع القوى الأخرى؛ خصوصاً مصر والسعودية، لضمان عدم تعارض المصالح؟