الخبر السوداني

حين تصبح “لا للحرب” قناعاً للخذلان و الازدواجية

كتب / أحمد علي عبدالقادر

في عالم الصراعات، لا توجد منطقة رمادية بين الدولة وعدوها، ولا تُرفع رايات الحياد حين يكون الوطن على المحك. إن شعار “لا للحرب” الذي يرفعه بعض السياسيين ليس موقفاً إنسانياً بريئاً، بل غطاءاً ناعماً لمشروع خبيث، يهدف إلى تحييد الجيش وإجباره على الاستسلام، حتى تُستكمل مؤامرة تفكيك السودان وتقديمه لقمة سائغة للمليشيا الإرهابية ومموليها.

يريدون من الجيش أن يُلقي سلاحه، لكنهم لا يطالبون المليشيا الإرهابية بالكف عن المجازر. يضغطون على الدولة لوقف القتال، لكنهم يصمتون عن المذابح، والاغتصاب الجماعي، ونهب المدن، وتشريد الملايين. هذه ليست دعوة للسلام، بل خيانة مغلفة بخطاب ناعم يُراد منه تعطيل الدفاع الوطني، حتى تتمكن المليشيا من إحكام قبضتها على البلاد.

أيّ “سلام” هذا الذي لا يشترط تفكيك المليشيا، ولا يُدين جرائمها، بل يساوي بين الجلاد والضحية؟ كيف يكون الجيش – الذي يقاتل دفاعًا عن أرضه – طرفًا مساوياً لعصابة تمارس القتل والتنكيل؟ هذه مغالطة كبرى، تفضح حقيقة أصحابها الذين لا يريدون إلا تسليم السودان لقوى الخراب، ليصبح مشاعًا لقادة المرتزقة ووكلاء النفوذ الأجنبي.

هؤلاء الذين شاركوا المليشيا مقاعد الحكم في الفترة الانتقالية، وعقدوا معها التحالفات، بل وشرعنوا وجودها داخل المكون العسكري، هم ذاتهم الذين يطالبون الجيش الآن بوقف القتال، وكأن السودان يمكن أن يُسلم للمرتزقة دون مقاومة.
عندما كانت هذه المليشيا جزءًا من السلطة، لم ينبس أحد من هؤلاء السياسيين بكلمة عن رفض وجودها داخل أجهزة الدولة، بل اعتبروها شريكًا عسكرياً، واحتفوا بها في المشهد السياسي، و لمعوا قائدها حميدتي و عينوه رئيساً للجنة الاقتصادية العليا في البلاد رغم أنها لم تكن سوى قوة مسلحة منفلتة تستعد للانقلاب على الجميع.

إن الحرب لم يخترها الجيش، بل فُرضت عليه حينما حاولت مليشيا مدعومة خارجياً الاستيلاء على الدولة بالقوة، وتحويل السودان إلى بؤرة للفوضى والإرهاب. فهل المطلوب أن يتخلى الجيش عن واجبه المقدس في حماية البلاد؟ هل يُراد للسودان أن يصبح نسخة جديدة من دول انهارت لأن جيوشها تراجعت أمام المؤامرات؟

حين تنتهي هذه المعركة، لن يُذكر في كتب التاريخ من وقف على الحياد، أو من تلاعب بالمواقف وفق المصالح، بل سيُكتب فقط عن الذين صمدوا في وجه الخيانة، وحموا السودان من السقوط. وأما الذين رفعوا شعار “لا للحرب” اليوم، بعدما تحالفوا مع المليشيا بالأمس، فلن يكونوا سوى فصل مخزٍ في سجل الازدواجية السياسية والخيانة الوطنية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.