الخبر السوداني

أتريدونه صالحاً ؟؟

متابعات الخبــــر الســــــوداني

يحكى في إحدى الدول العربية أن شعبها خرج في مظاهرات و مَسِيرات غزت الشوارع ، و هزت أركان النظام فيها ، و بلغ الخبر رئيس الدولة فسأل :
ماذا يريد هؤلاء ؟ ..
قيل له :
يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية…..
قال و أين المشكلة ؟
و ليطبق كل منهم الشريعة في بيته و أهله فتصبح البلد كلها طبقت الشريعة الإسلامية…..
الفائدة من هذه الرواية إن كانت صحيحة أو غير صحيحة هي الإشارة إلى المسؤولية الفردية …
و الأصل في المسؤولية هي فردية قبل أن تكون جماعية أو مسؤولية حاكم في قوله و ( كُلُّهُم آتِيهِ يَوْمَ القِيَّامَةِ فَرْدَا ) صدق الله العظيم …..
في الدول العربية عامة يرى مواطنوها أن مسؤولية الإصلاح المجتمعي و المؤسسي ( الكلية ) في المقام الأول هي مسؤولية الحاكم و يرون أنه يجب على الحاكم أن يتنزه عن غريزة البشر و يتخلق بأخلاق الملائكةو ليس الأنبياء!……..
يرون أن يكون عبداً صالحاً و هم يفسقون ، و ألا يخطيء و هم يخطئون ، و أن يكون صادقاً وهم يكذبون ، و أن يكون أميناً و هم يخونون ، و أن يكون عفيفاً و هم يسرقون ، و أن يكون يكون مبرأً من كل عيب و كلهم عيوب و ينسون قول الحق ( إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم )……
يعتقدون أن فقرهم و غناهم من الحاكم و هم يقرؤون قول الله ( وَ لَوْ أنَّ أهْلَ القُرَى آمَنُوا و اْتَّقُوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ و الأَرْضِ و لَكِنْ كَذَّبُوا فأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون )…….
يريدون حاكماً صالحاً و ينسون أن صلاح الحاكم في صلاح الرعية في قول المصطفى ( يولَّى عليكم كيفما تكونون )…..
يريدون حاكماً يحمل كل أعبائهم و مسؤولياتهم و النبي يقول ( كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته ، الامام راع و مسؤول عن رعيته ، و الرجل راع في بيته و مسؤول عن رعيته و المرأة راعية في بيتها و هي مسؤولة عن رعيتها و العبد راع في مال سيده و مسؤول عن رعيته ) . و لو أن كل منا تحمل مسؤوليته لصلح حالنا و صلحت أنفسنا و صلح حكامنا…….
نحن في السودان أكثر الشعوب اتكالاً على الحكام ( نعيب ) (حكامنا ) و ( العيب ) فينا……..
نغير الحكام كما نغير ملابسنا و لكن لا نغير ما بأنفسنا ، تمر علينا الأيام و السنون و (نحن نحن) نخوض في الجدل و التلاوم ، و التخاصم و التدابر…….
نريد من الحاكم أن يشرف على كل شيء…. “مدارسنا ، مستشفياتنا ، طرقنا ، مؤسساتنا ، بيوتنا ، أسواقنا ، مأكلنا ، مشربنا ، حركتنا ، سكوننا ، نومنا ، حتى نسائنا و أطفالنا و أنفسنا و ضمائرنا “…… نريد حاكماً يبادر بكل شيء…..و نحن نرفض كل شيء ….. حاكماً يبني كل شيء …. و نحن نهدم كل شيء ….
نريد حاكماً يرعى و يزرع و يصنع …. و نحن نأكل مما يزرع و نلبس مما يصنع ! ……
نريده يعزف و يغني لنا و نحن نرقص !!….
و نريد حاكماً يعدل بيننا و يظلم بعضنا بعض …..
و أخيراً نريد أن نكون آمنين ونحن أول من يخترق الأمن …….
ماذا لو أن كل منا راقب نفسه و حدث ضميره و أخلص في عمله و أتقنه ، و بادر في مجاله وطوره………
أليس ذلك جدير بأن يسد خللنا و يصلح زللنا و يبني مستقبلنا ؟…….
و ماذا لو أننا أطعنا الحاكم ما لم – يأمرنا بمعصية – ( أَطِيعُوا اللهَ و أطِيعُوا الرَّسُولَ و أُولِي الأَمْرِ مِنْكُم فَإذَا تَنَازَعْتُم في شَيْءٍ فَرُدُوهُ إلَى اللهِ و الرَّسُول ) ، و استشعرنا المسؤولية الفردية و الجماعية ، و شمرنا سواعد الجد و أخلصنا النية في العمل ؟ ……
أليس في هذا صلاحنا و صلاح الحاكم ؟…..
مسؤولية الحاكم في المقام الأول توفير الأمن ثم العدالة و إقامة أساس بنيوي متين تقوم عليه مؤسسات مهيئة و بييئة صالحة للعمل و توفير فرص عمل و أجور محفزة و من بعد مراقبة و متابعة دقيقة عبر آليات صارمة . و فيما عداها فهو مسؤوليات و اجتهادات فردية و من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل ……..
من عيوبنا أننا نعمل عكس قاعدة البناء “نريد إصلاح قمة الهرم قبل قاعدته ” و لا شك أن القاعدة أساس البنيان …..
المجتمع هو قاعدة البناء ، إذا لم يتم إصلاحه سينهار البناء من قمته مهما كانت قوية و متينة “……
و متى يبلغ البنيان يوماً تمامه * إذاكنت تبني و غيرك يهدم ؟ “………..
هكذا هو مجتمعنا كلما شارف البنيان على التمام (يسلط) عليه المعول الهدام كالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثاً……..
كلما تغير عندنا نظام نغير معه الشوارع و البنيات و البنايات و المناهج و اللافتات و الإرث التاريخي حتى المعتقدات و الشرائع ….
حزنت حزناً شديداً لموقف شاهدته أمامي عندما قامت ثورة (٦) أبريل ١٩٨٥م …
كنت خارجاً من البيت بامدرمان في طريقي للخرطوم و ( كتمت ) فجأة ، فجرفني سيل المظاهرة الذي اندفع من أمام مبنى الإذاعة رغم أنفي و حملني إلى صينية الزعيم الأزهري و تبدو أنها كانت مركز تجمع للثوار و الإنطلاق نحو مدينة بحري . فرأيت أربع فتيات يعتلين ( الصينية ) و وقتها كانت قائمة . يرقصن و هن في قمة السفور يرددن ( لا شريعة بعد اليوم ) !! و قلت في نفسي و الله لا ينصلح حالنا ما دام فينا أجيال تحارب شرع الله ! ….
و بلغ الحزن مداه عند ثورة ديسمبر المزعومة ٢٠١٩م و أنا أمر يومياً في طريقي بشارع النيل لعملي بوزارة التربية و التعليم فأرى شبابنا يرفعون على طول شارع النيل شعارات و لافتات ” العلمانية هي الحل ” و ترتفع عقائرهم مطالبين بالعرقي و البنقو و الفجور و للأسف تنقل هذه الترهات على الإعلام (الرسمي) و يزيدها سياسيون ( كيد ) و ليس (كيل) بعير قسماً ألا يُحكم السودان بإسلام بعد اليوم …..
و أمثلة ذلك كثيرة إذا اجترينا ذكرى تغيير الأنظمة في العهود السابقة نجد أنه ” كلما جاءت أمة لعنت من كانت قبلها ” فنحن أمة ( لاعنة)…….
نحن شعب نصدق الإشاعة و نصب عليها ( دلاء ) من الإشاعات حتى نصدقها و تعمى بصائرنا و إن جهرت ( الحقيقة ) أعيننا …….
نحن شعب تأخذنا العزة بالاثم اذا قيل لنا اتقوا الله…….نفعل كل ذلك و ( السبعة و ذمتها ) التي لانعلمها اذا سئلنا عنها نقول باختصار ( بس كدا ) نكاية في فئة أو طائفة و إن صلحت من أجل التغيير في ظننا للأصلح . و التغيير عامة هو من السنن الكونية . و التغيير للأحسن و الأصلح أمر (مشروع) و (مطلوب) في حياة الإنسان لكن هل سألنا أنفسنا يوماً :
متى كان صلاح الحاكم بدون صلاح الرعية و العكس ؟؟ ….
اليوم تربع على كرسي الحكم بالبلاد رئيس جديد للوزراء فلنحسن ظننا فيه ( ظاهراً ) بأنه صالح من سجوده شكراً لله ( و لَئِنْ شَكَرْتُم لَأَزِيْدَنَّكُم ) … ثم أبداؤه حسن النوايا بتطبيق القانون ، و توفير الأمن ، و سبل العيش الكريم ، و العدالة ….
و مخاطبته لنا من منبر الصلاة بروح (القابض ) على دينه ، و دخل على الفقراء و جلس للناس في الأسواق و الطرقات ليتحسس مشاكلهم و يعرف مطالبهم …..
هذه كلها بوادر طيبة تحمل في طياتها خارطة طريق للإصلاح . لكن سرعان ما بدرت نواياه الطيبة هذه و قبل أن (تبدي) ثمارها ، أقحمناه بأشياء و قضايا جانبية و صغيرة يمكن حلها في إطار مسؤولية (مؤسسة) على رأسها مسؤول مباشر و تحته مسؤولين في التسلسل الوظيفي يمكن الاحتكام إليها للتحقيق و التثبت قبل وصولها للرئيس مباشرة ……..
نحن لا نحترم الترتيب الوظيفي . و دائماً نتجاوز مسؤولينا في الترتيب الإداري بالقفز إلى المسؤول الأعلى للحكم في قضايانا الإدارية التي هي ليست من اختصاصه مع علمنا التام بذلك و للأسف يتبناها المسؤول الأعلى دون الرجوع للمسؤول الإداري المختص ……
و تشكل هذه التصرفات خللاً كبيراً في هياكلنا الوظيفية ، و غبناً في الممارسة الإدارية ، و ينتج عنها ضعف الأداء و إرباك العمل فيؤدي إلى نتيجة صفرية في الناتج …….
معلوم أن رئيس الحكومة لديه مهام أكبر من الإشراف على مؤسسة . و هي تتعلق بالشأن الداخلي و الخارجي ، لكن هذا لا يعفيه من مراقبة و متابعة المؤسسات ، و يتوجب عليه توجيه المسؤولين و محاسبتهم عبر آليات معروفة تحكمها قوانين العمل و تمليها واجبات التكليف مما يجعل تدخله غير مباشر في القضايا الصغيرة إلا إذا تعثرت على المسؤولين ……
البلاد اليوم تعيش فوضى أمنية و مجتمعية و تفلتات حدودية و تدخلات خارجية و حرب طاحنة قضت على الأخضر و اليابس و بعبارة بسيطة ( أكل عليها الدهر و شرب ) . و هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟؟ …..
جاء رئيس الوزراء ليحكم بلداً أفسدها الدهر بل أفسدها أهلها ( مما كسبت أيديهم ) و يطلبون منه إصلاحها في يوم و ليلة…..
فهل يستقيم ذلك مع العقل ؟……..
أرى كل الأقلام اليوم تصوب سهامها نحو الفساد و تطلب من رئيس الوزراء أن يبدأ به قبل أن يستوي على جودي الحكم…….
نعم أتفق تماماً مع من يقولون بالفساد ، و لا أحد ينكر أن الفساد قد استشرى في (أحشاء) البلاد حتى استعضل و استعصى على الطبيب المداوي و يجب ألا يقعد هذا الاستعصاء المداوين ( المسؤولين ) عن مواجهته و محاربته . لكن في نفس الوقت لا ننسى أن الحرب على الفساد ليست أمراً سهلاً ليتبناه رئيس أو مسؤول لوحده ، بل هو مسؤولية مجتمعية في المقام الأول تبدأ بإصلاح الأنفس ثم استتباب الأمن كقاعدة ينطلق منها الإصلاح . و من ثم تأتي مرحلة الانقضاض على الفساد . و هنا (يتبدى) دور الحاكم بخيله و خيلائه ، و قوانينه و قضائه ، لفرض هيبة الدولة و إعمال و تفعيل القوانين الرادعة مع مراعاة العدالة في التطبيق على ألا يؤخذ أحد بجريرة غيره !!…..
دعونا نبدأ بإصلاح أنفسنا لاستشراف عهد جديد لعله يعود علينا و على البلاد بخير …..
و دعوا رئيس الوزراء يقرأ الواقع بنفسه و يتخذ قراراته بعيداً عن الإملاءات و الافتراضات و لا تشغلوه بسفاسف الأمور…………
دعوه يفكر و يستأجر و ليكن خير من يستأجره القوي الأمين……
و لنكن نحن مبادرون عاملون و ليس منظرون متواكلون……….
و اذا أردناه ( صالحاً ) فلنصلح أنفسنا ….. @
( إنْ أُرِيْدُ إلَّا الإصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْت ) ……

و الله المستعان..

الغالي الزين حمدون
٢٠٢٥/٦/١١م

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.