لعبة النهاية 🎯 كواليس النار الهادئة في القاهرة: كيف تُطبخ تسوية سودانية – ليبية على مقاس الإمارات؟
✍️كتب / Makkawi Elmalik
متابعات الخبــــر الســــــوداني
في وقت يبدو فيه الصراع السوداني ظاهريًا جامدًا عند خطوط النار..تدور في الكواليس حركة دبلوماسية وأمنية معقدة..تتداخل فيها مصالح مصر..الإمارات ..وحفتر..لتشكيل ملامح المرحلة المقبلة في السودان وليبيا – وربما إطالة أمد الحرب لا إنهائها
فخلال اليومين الماضيين ..بدا لافتًا أن القاهرة استقبلت في لقاءين متزامنين كلًا من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان..واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر…ورغم محاولة الرئاسة المصرية إظهار الزيارتين كمحطتين منفصلتين..تكشف مصادر دبلوماسية مطلعة عن طبخة واحدة يجري إعدادها بعناية..بإشراف مصري – إماراتي مشترك
مصر على الحبل بين البرهان وحفتر
بحسب تسريبات موثوقة جاء لقاء البرهان بالسيسي محملًا بقائمة شكاوى واضحة: مطالبة مصر بضغط مباشر على حفتر لضبط وحداته في المثلث الحدودي ومنعها من تسهيل تهريب السلاح إلى مليشيا الدعم السريع…فالبرهان – الذي يواجه حرب استنزاف طويلة – يعلم تمامًا أن أحد شرايين السلاح الأخطر للمليشيا الان في هذا التوقيت يمر عبر حدود ليبيا الجنوبية..بتسهيلات ضمنية من قوات حفتر..حليف أبوظبي الأول في برقة
لكن القاهرة..وإن أبدت “تفهمًا” لمخاوف البرهان..لم تقدم التزامًا حاسمًا ولم تجد ردا واضحا من حفتر … وهنا يكمن بيت القصيد. فبحسب مصادر مطلعة في القاهرة..تخشى مصر فقدان سيطرتها على الورقة الليبية إذا دفعت حفتر للتصعيد مع الإمارات أو إغلاق طرق تهريب السلاح تمامًا. كما أن حفتر يستخدم هذه الورقة كورقة مقايضة مع المصريين..مقابل دعمهم المستمر له عسكريًا واقتصاديًا..وملفات أخرى مثل ترسيم الحدود البحرية مع اليونان
الإمارات تدفع عبر حفتر وتضغط عبر القاهرة
في الخلفية..يظهر الدور الإماراتي الأكثر دهاءً وخبثاً ..فالإمارات – الراعي الأكبر لحميدتي – تدرك أن ورقة حفتر استراتيجية: يمكنها عبره إبقاء جبهات الإمداد مفتوحة إلى غرب السودان…حتى لو بشكل غير مباشر أو عبر شبكات تهريب محلية…وبالمقابل..تمارس أبوظبي ضغطًا متزايدًا على القاهرة لكي تخفف دعمها السياسي المطلق للبرهان..وتتبنى موقفًا “أكثر مرونة” تجاه الدعوات الدولية لحل تفاوضي أو لحكومة مدنية انتقالية تضم – عمليًا – قوى قريبة من الدعم السريع
مصادر مصرية تحدثت عن “مراجعة صامتة” في القاهرة..حيث بدأت السلطات تدرك صعوبة الحسم العسكري السريع…وبدأت تحاول وتفكر في إعادة تموضعها..بما يسمح لها بالحفاظ على نفوذها في السودان أيا كانت نتيجة الحرب…في هذا الإطار..يبدو أن القاهرة خففت قليلا من انحيازها المعلن للبرهان..وفتحت خطوطًا غير مباشرة مع مبعوثي القوى الدولية التي تدفع لتسوية سياسية
محاولة تهدئة العلاقة بين مصر وحميدتي
الأكثر إثارة هو ما تتحدث عنه مصادر عربية وغربية عن مسعى إماراتي متواصل “لتهدئة” العلاقة بين مصر وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) الفكرة هنا ليست مصالحة صريحة..بل خفض مستوى العداء المصري له إلى الحد الذي يمنع القاهرة من الانخراط المباشر في خنقه عسكريًا أو دبلوماسيًا
الإمارات..بحسب مصادر دبلوماسية..طرحت على المصريين معادلة مغرية: لا تمنحوا البرهان شيكا مفتوحا. لا تقطعوا شعرة معاوية مع حميدتي…حافظوا على قناة خلفية معه عبر أطراف إقليمية..ما يضمن لمصر موقعًا في أي تسوية مقبلة – وحتى في حالة تقسيم الأمر الواقع
هذا التحرك يتلاقى مع سعي أبوظبي لتقليل الضغوط الدولية عليها بسبب دعمها العسكري الضخم لحميدتي منذ بدء الحرب..عبر محاولة تصوير نفسها وسيطًا “عقلانيًا” مستعدًا للتهدئة
القاهرة تحاول إدارة تناقضاتها
لكن مصر ليست لاعبًا منفذًا بالكامل لإملاءات الإمارات…لديها حسابات أمنية حيوية..خصوصًا مع سيطرة قوات الدعم السريع مؤخرًا على المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان ومصر وتوغلها للأراضي المصرية ..وهي نقطة تماس صحراوية استراتيجية..أثارت انزعاجًا بالغًا في القاهرة
مصادر “العربي الجديد” تحدثت عن مطالبة مصرية صارمة لحفتر في لقاء العلمين بعدم السماح بأي دعم مباشر للدعم السريع يهدد الأمن المصري…لكن في الوقت نفسه..حرص السيسي على عدم كسر تحالفه مع حفتر..الذي تحتاجه مصر في ملفات أخرى حيوية..مثل مراقبة الحدود الغربية ومنع تهريب المهاجرين والسلاح شمالًا..وترسيم المياه الاقتصادية مع اليونان لمواجهة النفوذ التركي
الإمارات تلعب على التناقض الليبي – السوداني
ما يحدث في القاهرة إذًا ليس سوى قمة جبل الجليد في هندسة إماراتية جديدة وأوسع…أبوظبي تستثمر في علاقاتها المتشعبة: مع دول الجوار مع حميدتي في غرب السودان ودارفور ..ومع حفتر في الشرق الليبي..لضمان بقاء أذرعها في اللعبة أيا كان المنتصر
في هذا السياق..الضغط على البرهان يتم عبر تهريب السلاح..وعبر إغراءات مالية عرضت في أكثر من محطة..وأيضًا عبر القاهرة ذاتها..التي تجد نفسها أمام معضلة: دعم البرهان بلا شروط قد يعني حربًا أطول بلا أفق واضح..وانهيارًا اقتصاديًا سودانيًا يهدد أمن مصر المائي والحدودي..في حين أن تبني موقف أكثر مرونة قد يغضب الجيش السوداني ويهز الثقة التاريخية بين القاهرة والخرطوم
الخلاصة: تسوية على نار هادئة – أو حرب طويلة
باختصار..ما يجري في العلمين وما وراءه ليس محض صدفة دبلوماسية…إنه محاولة لإدارة تناقضات صعبة: مصر تريد تهدئة الحدود وضمان أمنها..الإمارات تريد إبقاء أوراقها في يدها عبر حميدتي وحفتر..والبرهان يحاول انتزاع التزام مصري أقوى ضد الدعم السريع
حتى الآن..يبدو أن الإمارات تنجح في إطالة أمد الحرب عبر تغذية خطوط الإمداد غير المباشرة..وتهدئة التوترات بين مصر وحميدتي بما يمنع حصارًا خانقًا ضده..في حين تحاول مصر إعادة رسم دورها كوسيط إقليمي لا كحليف مطلق للبرهان
لكن ما يُطبخ في القاهرة على نار هادئة قد ينتهي إلى تسوية ناقصة تُعيد إنتاج المليشيات في قلب الدولة السودانية – أو إلى حرب طويلة تستنزف الجميع
والله المستعان