الخبر السوداني

الغالي الزين..يكتب ✍️ التعليم السوداني في مصر … بداية عشوائية و رؤية ضبابية….

رصد – الخبر السوداني

لا أريد في هذا المقال إقحام القاريء في كليات التعليم السوداني بالخارج و قد خصصت له ثلاثة مقالات سابقة ربما تغني القاريء عن التوهان في دروب قوانينه و استنباط لوائحه …
سيكون حديثي محصوراً على التعليم السوداني في مصر لأنه أصبح حديث الأمس و اليوم ، و ظل يؤرق مضاجع أسر الطلاب و يقلق أروقة وزارة التربية و التعليم في السودان …
اخترت هذا العنوان من واقع معايشتي للتعليم السوداني بالخارج ، و معاصراتي لبدايتة في دولة مصر الشقيقة …
بدأ التعليم السوداني في مصر مع بداية التوسع في المدارس السودانية بالخارج و ذلك من منتصف التسعينيات إلى بداية الألفين حيث كانت معادلة الشهادة العربية تقل نسبتها قياساً بالشهادة السودانية و ترتفع نسبة الشهادة السودانية بمعادلتها بالعربية مما حدا بأغلب الجاليات العربية بالخارج تفضيل إلحاق أبنائها بالمدارس السودانية . و كان طالبي الحصول على الشهادة من الإخوة المصريين أكثر رغبةً ، و أوفر حظاً بفتح مراكز تعليمية بالمنهج السوداني في القاهرة لطلاب الصف الثالث ثانوي و يتم ارسالهم للجلوس لإمتحان الشهادة السودانية في السودان و المدارس السودانية في ليبيا لوجود مركزي امتحانات في كل من مدرستي (بنغازي) و (طرابلس) السودانيتين و المعتمدتين لدى وزارة التربية و التعليم السودانية حيث كان الوصول الى ليبيا و السودان من مصر غير مكلف و سهلاً عبر البر ….
الملاحظ أنه في الوقت الذي قامت فيه هذه المراكز كان حصرياً على الغالب من الطلاب المصريين مع وجود قلة من السودانيين الذين وفدوا حديثاً مع عدم وجود نزوح و لجوء إلى مصر في ظل الاستقرار الذي كان ينعم به السودان …
استمرت هذه المراكز لسنين عديدة تعمل في صمت و تنسيق مع مدارس سودانية ( خاصة ) داخل السودان تتحصل منها رسوم كبيرة مقابل الحصول على أرقام الجلوس بالعملات الصعبة قياساً برسوم الشهادة السودانية في الداخل بالعملة المحلية …
و كان نصيب وزارة التربية ما يعادل رسوم الطالب السوداني في الداخل توردها إدارات تلك المدارس و يذهب الباقي بين هذه المدارس و أصحاب المراكز ….
سرعان ما انفتحت شهية فتح المراكز التعليمية بمصر لعائدها المادي المغري التفتت وزارة التربية والتعليم للأمر ، و فتحت نوافذ لتوريد رسوم الشهادة للمصريين مقابل مبلغ من الدولار يساوي ما يدفعه الطالب السوداني بالخارج على أن يورد الطالب المصري رسومه بنفسه عند إبراز مستنداته الرسمية فتراجع بعد ذلك عدد المراكز …
بعد تداعيات حراك ثورة ٢٠١٩ م و تعثر التعليم بالسودان بسبب الاضطرابات و إغلاق المدارس و الجامعات أصبحت مصر قبلة لطلاب الجامعات السودانيين و الأسر الميسورة لتلقي أبنائها التعليم السوداني في مصر مما حرك المراكز التعليمية مرة أخرى ، و سرت حمى السباق لتأسيس المدارس السودانية بمصر …
و من هنا دبت جذوة المراكز العشوائية و دعمتها التصديقات ( الضبابية) كأن يحمل المؤسس تصديقاً مبدأياً لتكملة الإجراءات مع سلطات التعليم المصرية ثم الرجوع لسلطات التعليم السودانية للإعتمادات النهائية ، فيكتفي حامل هذا الإجراء بالتصديق المبدئي فيلتف عليه و يقوم بفتح مركزه في شقق بعيدة عن أعين الرقابة . لكنها كانت محسوسة لدى وزارة التربية السودانية فأوفدت لجنة لحصر المراكز في العام (٢٠٢٢م) لتقنين أوضاعها و تقاعس أغلب أصحاب المراكز عن توجيهات لجنة وزارة التربية و التعليم إلى أن قامت الحرب في السودان في الخامس عشر أبريل ( ٢٠٢٣) و احتشد النازحون من السودان الى مصر . و به انفرط عقد التعليم السوداني في مصر و تمددت المراكز في أحياء القاهرة و أسوان و الإسكندرية حيث غالبية السودانيين النازحين إلى مصر فوصل الى أكثر من أربعمائة مركز ! …
هذا التمدد الكبير و العشوائي أزعج السلطات التعليمية و الأمنية المصرية معاً ، فأرسلت الإشارات إلى السفارة السودانية إيعازاً بتقنين هذا الوضع . و تكررت تحذيرات السفارة لأصحاب المراكز دون جدوى ، مما حمل السلطات المصرية لإغلاق كل مدارس و مراكز التعليم السودانية بمصر و حددت شروطاً واضحة لفتح أي مركز أو مدرسة من ضمنها شرط أساسي بتوفير مبنى إداري متكامل يحمل مواصفات البيئة التعليمية . و هذا الشرط وحده كفيل بالحد من تمدد هذه المدارس لعدم إمكانية أغلب أصحابها من استيفائه بعدم المقدرة المالية …
السلطات التعليمية المصرية لم تقصر في واجبها تجاه التعليم السوداني في مصر فأمهلت المدارس بناء على ترجيات وزارة التربية و السفارة و الملحقية الثقافية عاماً كاملاً لتوفيق أوضاعها و يبدو أن عامل المقدرة المالية كان سداً منيعاً و حينها اقترحت في إحدى مقالاتي على الوزارة و الملحقية دمج هذه المدارس في مراكز تجميعية تعليمية ( تشاركية ) . لكن طبيعتنا نحن السودانيين نميل إلى الاستقلالية في العمل أكثر من الشراكات ، و ننفر من عمل الأتيام فمات الاقتراح في مهده ….
كان للسودان بالتوافق مع مصر اللجوء لحقوق اللاجئين في التعليم في الدولة التي لجأوا إليها و احتموا بها …
قانون المنظمات يقسم اللاجئين لفئتين :
الفئة الأولى في المخيمات ( caps ) و هؤلاء تقع مسؤوليتهم على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ( unhcr ) كاملة مع شركاء التعليم لتوفير متطلبات التعليم و الصحة و الحماية و المناهج و المعلمين تجاههم .
الفئة الثانية :
الذين تسربوا من المخيمات إلى المدن و اندمجوا في المجتمعات و يطلق عليهم حضر ( urban ) . هؤلاء يقعون تحت مسؤولية جزئية من المفوضية إذ توفر لهم الحماية و لا تلتزم بتوفير المناهج الدراسية لهم ما دامو مندمجين مع مجتمعات لها مناهج تدرس في مدارسها مما يستدعي دخول منظمات المجتمع المدني في شراكات مع الحكومات لتوفير ما يتطلبه وضع هؤلاء اللاجئين ….
لقفل باب هذه المغالطة وضعت منظمة دول الايقاد لها حلاً جذرياً بدمج كل اللاجئين في التعليم النظامي لدول الإيقاد بإستراتيجيات واضحة يتمثل فيها دور المفوضية و المنظمات الاممية و الإقليمية بدعم كل المدارس التي تأوي لاجئين في دولة اللجوء من دول الايقاد مساوية بذلك الطلاب اللاجئين و طلاب الدولة المضيفة في الدعومات و توفير الحاجيات…
اذا نظرنا إلى السودانيين بجمهورية مصر لن نجد لهم توصيفاً غير الحضر ( urban ) و ينطبق عليهم قانون الدمج في المجتمعات . وهنا يكمن حل قضية تعليم أبنائهم . و هو الدمج في التعليم المصري …
لكن اذا نظرنا إلى أبعاد هذا الدمج قد يتعثر تنفيذه لأسباب منها :

  • أن مصر ليست جزء من اتفاقية الإيقاد .
  • المدارس المصرية مكتظة بالطلاب و تعمل بنظام الدوامين الصباحي و المسائي . و هذا يقلل من فرص الإتاحة و الإلتحاق .
  • أن السودانيين المتواجدين بمصر يفضلون التدريس بمنهجهم الوطني .
  • إذن يبقى الخيار الأول وهو التجميع و الشراكات . فلماذا لا تجلس وزارة التربية والتعليم في السودان و الجهات المعنية لأصحاب المدارس و المراكز لإقناعهم بفكرة الشراكات التي ستقلص من عدد المراكز و توفر الجهد و المال و تعمل بنظام دوامين صباحي و مسائي .
  • إضافة إلى أن هذا المقترح سيتيح مساحة لتلبية الشروط المصرية و يكون مقبولا لسلطات التعليم المصرية .
  • أخيراً هل قامت اللجنة التي عينها السيد الوزير برفع مقترحات لحل جذدر الأزمة أم انها انحصرت في إحصاء المدارس المستوفية للشروط المصرية .
  • و آخراً اتمنى أن تكلل مساعد السيد الوزير المكلف بالنجاح و أن يفكر الإخوة الزملاء و أصحاب المدارس خارج الصندوق للوصول لصيغة توافقية تضمن حقوق الكل و تساعد في استمرار و استقرار التعليم السوداني في مصر ..
    أنا أريد و انت تريد و الله يفعل ما يريد …
    و ما التوفيق إلا من عند الله …

الأستاذ/
الغالي الزين حمدون
٢٠٢٤/١١/٢٩م

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.