متابعات الخبــــر الســــــوداني
مساء أمس تشرفت بالحديث في قناتي العربية والحدث حول تقرير المبادرة العالمية “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” والذي يشير إلى تفشي المجاعة في المناطق بالسودان وتوقع أن تمتد إلى أخرى.. و قلت أن الواقع يتجاوز التقارير الأممية التي ظلت تصدر منذ عدة أشهر وتحذر من العواقب الانسانية للحرب خاصة في نطاقي الغذاء والدواء.
الذي يحز في النفس أن الاعتبارات السياسية تعلو عند أولي الأمر أكثر من الإنسانية.. و الجدال ذاته الذي ظل منذ عهد الانقاذ كلما حذر العالم من كوارث انسانية لا يزال يمعن في سياسة الانكار المطلق.. دون عمل حقيقي على الأرض يدحض مثل هذه التقارير ويغير الواقع بأفضل منه.
الجوع في السودان يتجاوز التوصيفات الفنية التي تعمل بها منظمات الأمم المتحدة.. بعض المناطق انعدام كامل للغذاء .. وأخرى شح فيه .. و ثالثة لا يستطيع المواطن الحصول عليه حتى ولو توفر للفاقة التي يعانيها.. خاصة مع الارتفاع المخيف للأسعار يوميا مع عدم توفر فرص العمل للذين فقدوا مصادر رزقهم نتيجة النزوح على سبيل المثال.
و الذي يزيد الحالة الانسانية في السودان فجاعة أن التقارير ترصدها من زاوية الأرقام أكثر من التعامل المباشر مع الانسان.. 25 مليون يعانون من نقص الغذاء مثلا.. هذا الرقم المخيف لا تقابله سياسة التعامل المباشر مع الأزمة على مستوى المواطن الفرد وليس المجموع.
بعبارة أكثر وضوحا.. عندما تتعامل الحكومة مع هذه الأرقام المليونية باعتبارها كتلة صماء واحدة تمثل المؤشر الذي وصلت اليه الاوضاع الانسانية.. فالجهود ستتجه لتخفيض الأرقام أكثر من ازالة المهدد الحقيقي، وهو الجوع..
العلاقة بين الحكومة والمواطن يجب أن تنبني على مبدأ واحد-واحد، (حكومة-مواطن).. وليس واحد-متعدد (حكومة-كتلة مواطنين) كما هو الحال.. لأن سياسة واحد- متعدد تفتقد للحساسيةو للفاعلية والسرعة المطلوبة لمواجهة الحال.
لنضرب مثلا..
عندما ترصد المنظمات أرقاما بالملايين تأثروا بنقص الغذاء (المجاعة تحديدا) فإن الرصد هنا مبني على المناطق الجغرافية قياسا بتقديرات سكانها.. وليس احصاء دقيقا أو مباشرا.. وفي هذه الحال اذا تبنت الحكومة سياسيات تتماشى مع الأرقام فهي أيضا تنظر لتقديرات المساحات والسكان.. وليس الأسلوب المناسب الناجع للتعامل مع الأزمة.
إذ كان من الممكن أن تتوفر آليات انتاج الغذاء لمشروعات بعينها فإنها ترسم خارطة اشعاع غذائي قابل للتمدد حتى دون تدخل الحكومة أو أية منظمات محلية أو أجنبية.
سياسة التعامل بمبدأ واحد- واحد لا تقتصر على مواجهة نقص الغذاء/المجاعة فحسب، بل كل الأزمات الأخرى بما فيها فرص العمل والانتاج.
لكن بالضرورة هذه السياسة تتطلب كفاءة ادارية من الحكومة.. و قبلها ارادة من القيادة العليا.
وبدلا من مكافحة تقارير رصد المجاعة.. الأفضل مكافحة الجوع نفسه..
التيار