الخبر السوداني

إستاذ الغالي الزين:القاسم المشترك بين الكورسات و الحجبات

متابعات الخبــــر الســــــوداني

بسم الله الرحمن الرحيم

  (روشتة رابعة) للعام ٢٠٢٥م ....

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

القاسم المشترك بين الكورسات و الحجبات …


القاسم المشترك مصطلح يعني العامل الذي يقسم ما كان مشتركاً بالتساوي كما في تعلمناه علوم الرياضيات إن عوامل العدد هي التي يقبل القسمة عليها بدون باقي ….
و الكورسات هي برامج تعليمية تستهدف بها مادة علمية أو عملية في مدة زمنية قصيرة و محددة يستخدم فيها العصف الذهني و التركيز عليها لتعزيز القدرات ليخرج المتدرب بمفاهيم إضافية و قوية ترفع من قدراته العملية أو التعلمية . و هي ( الكورسات ) نظام (محمود) و متعارف عليه تتَّبِعه المؤسسات التعليمية و التشغيلية بغية تجويد الأداء…..
أما الحجبات جمع (حجاب) و هو معروف عندنا في السودان يلبس على الذراع أو يعلق على الرقبة أو يربط في الوسط اعتقاداً فيه بحجب الضرر و صرف المصائب . و هو مشابه للتميمة من الخرز و العظام و الشعر و الريش و غيرها الشعوذات في الإعتقاد . و الاختلاف بينها في أنه يحتوي تعويذات من أدعية أو آيات من القرآن تكتب على الورق و تغلف بالجلد . و قد اختلف العلماء في جواز التي تحتوي آيات قرآنية و لم يختلفوا في تحريم ما عداها من أدوات الدجل و الشعوذة …..
ظاهرة الكورسات كما قلت أنها نظام معمول به لتجويد الأداء سواء كان في التعلم أو العمل و يقوم به مختصون و علماء وخبراء في المجالات التعليمية و العملية و تعتمد الدقة و الضبط و الصدق و الأمانة للخروج بنتائج مرضية للمتدرب تتيح له فرص النجاح و التفوق في عمله ….. كما أن ظاهرة الحجبات هي من الظواهر الموجودة و المتجذرة في مفاهيم أغلب الشعوب المسلمة . وهي مختلف في (جواز) بعضها و (متفق) على حُرمة أخرى ويقوم بصناعتها ما يسمون ب( الفُقَرا ) . و هم غير (الفقهاء) غير أنهم يحفظون القرآن لكن يعوزهم تفسيره مما يوقعهم في كثير من اللبس و التأويل و يسمى الواحد ( فقير او فكي) و كلهم ليسو (سواء) . فمنهم من يلتزم الحفظ و الصلوات و يعمل بما يرضي الله، و منهم من يخلط عملاً (صالحاً) بعملٍ (غير صالح) لتعزيز حجته و الترويج لبضاعته . و منهم من يدعي جلب الرزق و هو أفقر من فأر ( المسجد ) . و منهم من يدعي شفاء الناس و هو ( سقيم ) و يبريء الألم و هو ( أليم ) ، و آخر يدعي أن بيده الإنجاب و هو ( عقيم )….. هؤلاء يطلق عليهم في العرف السوداني ( أمبتارة ) وظني أنها أتت من كلمة البتر . و بتر الشيء يعني فصله عن أصله . فهم يبترون الحقيقة بأفعالهم ، و يلبسونها لباس الشعوذة التي تعمي الأبصار و البصائر … في هذا الشأن أذكر أن أحد أجدادي كان ثرياً يملك أعداداً مهولة من الإبل و البقر و الأغنام . و كان أحد خؤولته ( فقيراً ) لا يملك قوت عامه ، لكنه ( فقير ) مفرد ( فُقَرا ) أو فكي … جاء يوماً إلى جدنا هذا و قال له :
يا فلان يا ولدي تعال نكتب ليك آية إسمها ( بِجِّي لبن ) بالجيم ( المعطَّشة ) في عاميتنا . و تعني ( دِرِّي لبن ) فبادره جدنا قائلاً :
إنت كان بتكتب (بجي لبن) ما بتشرب الشاهي ( الشاي) أحمر !! … ( إنها الفطنة ) ….
بجانب الحجبات يكتب هؤلاء أمبتارة ما يسمونه (البخرة) و هي عبارة عن وريقة ترسم عليها نجمات يقولون أنها خاتم النبي سليمان و يملؤون فراغاتها بحروف متقطعة من آيات الذكر و أرقام حسابية وهذا ما (يحرمه) الشرع ثم يعطى للمريض ليحرقه على النار و يستنشق دخانه طلباً للشفاء و لو أنَّ هؤلاء التزموا الرقية الشرعية لكان خيرٌ لهم …
من الأمثال المنتشرة أن لكل (قاعدة شواذ) يقابلها في كل (مجتمع شواذ) و هو مدخلي للمجتمعات …
و منها مجتمع (المعلمين) و أنا منهم ….
و رحم الله القائل :
أنا المعلم و المدى أفكار
و هي مهنتي و أنا الذي أختار
و لو أني خيرت عند ولادتي
ما كنت غير معلم أختار
هي مهنة الرسل و الأنبياء ، و لا تقبل غير الصدق في القول ، و الإيمان بالقضية ، و الإخلاص في النية ، و العدل بين الرعية ….
و المعلم رسول قومه ، لهذا يتوجب عليه التخلق و التشبه و الاقتداء بأخلاق الرسل صدقاً و عدلاً و إيماناً …
هكذا كان المعلم السوداني في السودان و في البلدان التي عمل فيها مقدماً أنموذجاً طيباً للمعلم الرسالي . فكان محل تقدير و احترام و حفاوة و احتفاء متى ما حطت به الأسفار في تلك القرى و الأرياف و الحضر و البوادي و البلدان ….
و مثلما ظهر في وسط الفقرا شواذ من القاعدة ، كذلك لم يخلُ مجتمع المعلمين من شواذ . فقانون العمل لم يحرم على المعلم إقامة الكورسات أو الدروس الخصوصية كذلك لوائح المهنة ما دام هناك راغبون في تطوير أنفسهم و تعزيز قدراتهم و تجويد أدائهم و بها أُحِلَّت له (الطيبات) من الكسب و الرزق . لكن في الآونة الأخيرة ظهر في وسط المعلمين ما يمكن تسميتهم ب( النفعيين ) و هؤلاء رغم تأهيلهم الجيد و مقدراتهم العالية و صيتهم الذائع ، إلا أنهم خلطوا عملاً صالحاً بعملٍ غير صالحٍ كما أمبتارة !! …..
أمبتارة يكتبون كتابهم من ( الحجبات و البخرات ) بأيديهم و (يجزمون) بنفعها ليخدعوا ضحيتهم و يتكسبوا من ورائها . و النفعيون يعدون المذكرات للطلاب و (يجزمون) بصحتها و أن الإمتحانات لن تبرح دفتيها و هم لايدرون أنهم ينسخون بجزمهم هذا المنهج المقرر للطالب . فيصدقهم معظم الطلاب و يتركون كتاب المنهج جانباً و ينكفئون على حفظها على أنها لا يأتي الخطأ من بين أسطرها !! ….
هكذا رأيت بعض الطلاب الجالسين لامتحان الشهادة الثانوية و سمعتهم يتلاومون و يلومون معلمين أخذوا على أيدهم كورسات و تسلموا من عندهم (مذكرات) لا يجانبها الصواب كما قالوا لهم فيكتبها أو يطبعها الطالب في شكل حجيبات صغيرة و يخبئها في أماكن مختلفة ليستفيد منها في الامتحان بما يسمى (البخرة) و سرعان ما يجد أن كتابه غادر كل صغيرة و كبيرة من الكتاب المقرر…… للأسف أن هناك معلم حدثني عنه أكثر من طالب ( أتحفظ ) عن ذكر اسمه لأني لا (أعرفه) _ و هو ما استفزني للكتابة _ أقام كورسات على مدى أشهر طويلة بالقاهرة لطلاب الشهادة الثانوية السودانية و أدعى أنه اطَّلع على ( غيب ) الإمتحانات في رحم مظاريفها ، و أنه هو الذي وضع امتحانات هذا العام بيده ، و أن كل من إلتحلق بكورساته مضمونٌ له النجاح .
و لتعزيز ( كذبته ) قال للطلاب أنا أثناء الإمتحانات لا أعرفكم و لا أنتم تعرفوني . لكني ضحضت حجته رغم (عدم) قناعة محدِّثِي بذلك بأنه يصعب معرفة من يضع امتحانات الشهادة حتى على من هم داخل وزارة التربية و إدارة الامتحانات . لأن ذلك يحدث في غاية السرية و يؤدي القائمون عليه قسماً مغلظاً على ألا يبوحوا بسر منها إلى الممات ….
إذن أليست البخرة هي القاسم المشترك بين امبتاري الذي يجزم بنفعها و النفعي الذي يجزم بصحتها ؟؟؟ ….
أخي المعلم :
ما الذي يجبرك على الادعاء و الكذب ما دمت أنك أديت واجبك و استخرجت معلوماتك من الكتاب المقرر للطلاب لتتحمل وزراً ما كنت في حاجة إليه ؟؟؟ …..
ابنائي الطلاب :
ما الذي يدعوكم للغش في الإمتحانات و انتم قد درستم المقررات على أيدى معلمين أكفاء فحفظتموها حفظاً ، و عجنتموها عجناً ، و هضمتومها هضماً ، و أخذتم على ذلكم إصرها ، فأخذت قرارها في عقولكم ، و وسعتها صدوركم لتتنزل على ورقة الإجابة صواباً ؟؟؟ …
تذكر أخي المعلم قول المعلم الأول(إن الله يحب إذا عمل احدكم عملاً أن يتقنه ) فبه اقتده…..
و تذكر أبني الطالب حديث النبي عليه افضل الصلاة و السلام أن ( من غشنا ليس منَّا ) …
و المثل يقول :
من لم يأكل بيده لن يشبع ….
أقترح أن يصدر قرار بتأدية أي معلم لدخول الخدمة القسم على أن يتحصن بالسلوك القويم و يلتزم أخلاقيات المهنة كما يحدث لأفراد القوات النظامية و الأطباء عند مدخل الخدمة………….

أخيراً ……
( و ما أُبْرِيءُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بالسُّوءْ ) صدق الله العظيم …

الأستاذ
الغالي الزين حمدون
٢٠٢٥/١/٢ م

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.