رصة حروف:
متابعات : الخبــــر الســــــوداني
قرأتُ مقال الأستاذ عصام دكين في عموده دكينيات (960)، حيث تناول دور أبناء دارفور في مواجهة التمرد والاستنفار، وأجد نفسي أمام واجب الرد على ما ورد فيه من مغالطات وتجني على حقائق لا ينكرها إلا جاحد. أستاذ عصام، من أين استقيت فكرتك بأن دور أبناء دارفور ضعيف؟ وهل تمعنت في المشهد جيدًا قبل أن تُطلق هذا الحكم؟ أم أنك اعتمدت على رؤية ضبابية لا تعكس الواقع الميداني؟
إن مقالك قد غمط حق الكثيرين ممن يحملون على عاتقهم راية الوطن ويذودون عن حياضه. مثلا المشتركة، ألا تعلم أنها خرجت من رحم دارفور؟ وهل غاب عن بالك أن أغلب من يُقاتل اليوم في صفوف القوات المسلحة على امتداد محاور القتال هم أبناء دارفور؟ إن كنت تشك في ذلك، فأدعوك ببساطة إلى إجراء اتصالاتك، واسأل عن هؤلاء الجنود الشرفاء الذين يبذلون دماءهم دون تردد.
دعني أُذكرك ببعض الأسماء – وهي فقط أمثلة وليست حصرًا – من أبناء دارفور الذين يتقلدون مواقع القيادة في القوات المسلحة ويديرون المعركة ضد المتمردين. لدينا حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، والفريق إبراهيم جابر مساعد القائد العام، وقائد منطقة المهندسين، وقائد القاعدة الجوية في مروي، والمفتش العام للقوات المسلحة، وقائد الشرطة العسكرية في شندي. هؤلاء قادة أثبتوا شجاعتهم ووطنيتهم على الأرض، ولم ينتظروا مقالات منصفة أو إشادات إعلامية.
أما عن الاستنفار، فإن أبناء دارفور ليسوا بحاجة إلى دعوات جديدة، فهم أصلاً في الصفوف الأمامية منذ ما قبل اندلاع الحرب. لقد ظلمت أبناء دارفور حين شككت في دورهم، وظلمت المشتركة التي لا ينكر تضحياتها إلا جاحد، وظلمت القادة الذين يعملون بصمت، تاركين الأقوال للآخرين.
أستاذ عصام، حين نكتب عن أبناء دارفور يجب أن نزن كلماتنا بميزان العدالة والحق، لأن التاريخ لا يرحم، ولا ينسى من ظلم الناس أو اختزل تضحياتهم. دعني أسترسل قليلاً لأضع أمامك الصورة الكاملة، صورة أبناء دارفور الذين كانوا وسيظلون خط الدفاع الأول عن هذا الوطن، ليس فقط بالكلمات، بل بالدماء التي سالت على تراب السودان الطاهر.
إن القول بأن دورهم في الاستنفار ضعيف ليس فقط جحودًا، بل هو جهلٌ بحقيقة ما يجري على الأرض. دعني أوضح لك أن الاستنفار الذي تتحدث عنه بدأ منذ عقود طويلة، حين كان أبناء دارفور يقدمون أرواحهم في معارك السودان الكبرى، وحين كانوا حُماة الحدود ودرع الأمن القومي. اليوم، هم في كل محور قتال، في كل جبهة، يقفون كالجبال الرواسي، مدافعين عن وحدة السودان وكرامته.
هل تعلم، أستاذ عصام، أن دارفور قدمت آلاف الجنود والضباط ممن صنعوا فارقًا حقيقيًا في هذه الحرب؟ هل تعلم أن القادة الذين يديرون المعارك في الخرطوم، والجزيرة، واقليم كردفان، والنيل الأزرق ، والنيل الأبيض، ومروي، والفشقة، ودارفور نفسها، هم من أبناء هذه الأرض الطيبة؟ هؤلاء الرجال الذين نشأوا في ميادين التحدي، لم ينتظروا أحدًا ليقول لهم إن الوطن بحاجة إليهم. هم يعرفون ذلك بالفطرة، لأن حب الوطن يجري في عروقهم.
لنأخذ مثالًا بسيطًا: المفتش العام للقوات المسلحة، وقائد الشرطة العسكرية، وقائد القاعدة الجوية، هل كانوا مجرد أسماء عابرة؟ أم أنهم رجال أثبتوا وجودهم بقوة في ساحات المعارك؟ أليسوا أبناء دارفور؟ وهل ننكر دور القائد مناوي الذي يقف بثبات رغم كل الظروف؟ أم نتجاهل الفريق إبراهيم جابر الذي يعد أحد رموز القيادة في القوات المسلحة؟
إذا كنت ترى أن هناك ضعفًا في الاستنفار، فأنت لم ترَ صورة دارفور الكاملة. عليك أن تعرف أن دارفور ليست فقط ساحة حرب، بل هي مصنع للرجال الذين يقدمون أرواحهم بلا حساب. ومن الظلم أن نحاكمهم بمنظار ضيق لا يرى إلا ما يريد أن يرى.
دعني أقولها لك بوضوح: أبناء دارفور لا يحتاجون إلى شهادة أحد، فدماؤهم التي امتزجت بتراب الوطن أبلغ شهادة. هؤلاء الرجال لا ينتظرون الإشادة، ولا يسعون إلى الأضواء. هم يعملون بصمت، ويقاتلون بشرف، لأنهم يدركون أن ما يقومون به هو واجب تجاه السودان، وليس مجرد فعل عابر.
أستاذ عصام، حين تكتب عن دارفور، تذكر أن الكلمات لها وزن، وأن الحقيقة لا تخضع للأهواء. دارفور اليوم في الخطوط الأمامية، بأبنائها وقادتها، والحديث عن ضعفهم هو ظلم لا يغتفر. إن كنت تبحث عن الحقيقة، فدع أرقامك وإحصاءاتك تتحدث، وستجد أن أبناء دارفور ليسوا فقط جزءًا من المعركة، بل هم قلبها النابض وروحها الحية.
وفي الختام، أقول لك: من أراد أن يعرف دور أبناء دارفور، فليذهب إلى الميدان، حيث تُكتب الحقيقة بدماء الرجال، وليس على الكيبورد. دارفور ليست مجرد جغرافيا، بل هي تاريخ من التضحيات والنضال، وستظل كذلك مهما حاول البعض التقليل من شأنها.