كتب / أحمد علي عبدالقادر
ثورة ديسمبر المجيدة ثورة عظيمة لا شك، اقتلعت نظام فعل كل الممكن و بعض المستحيل لإطالة مدته في الحكم، فكانت آمال الثوار عِراض و طموحاتهم أكبر في تأسيس فترة مدنية تنتشل الوطن من وحل التأخر و المواطن من عنت و شقاء العيش.
ولكن ماذا حدث؟
اكتفت القوى المدنية بشعار “تسقط بس” الذي تداوله الشعب البسيط، لأن الشعب غير مطلوب منه أن يفكر في طريقة حكم السودان يهمه أن يهد جدار النظام الفاسد و على الساسة أن يبنوا الوطن بالأفكار، هذا هو المنطق بينما الذي حدث هو أن القوى السياسية مثلما صعدت للكراسي على أكتاف الثوار و على أشلاء الشهداء، اكتفت بهتاف “تسقط بس” و لم تفعل المطلوب منها في كيفية إدارة البلاد.
وليتها اكتفت بهذا، فأول اخفاقات هذه القوى السياسية بدأت بمشروع تفكيك المنظومة الأمنية بدلاً عن برنامج سياسي يخدم المواطن، و هي تعلم ” أو ربما لا تعلم” استحالة وقوف دولة دون نظامها الأمني، و بعدما قامت الحرب وضعت السودانيين في مقارنة فاشلة “الديموقراطية أم الأمن؟” فأجبرت المواطن البسيط على إختيار الأمن و الكفر بأي أطروحات سياسية تأتي من هؤلاء الفاشلين حتى و لو كانت شعارات جاذبة فالجوهر يختلف عن المنظر و اليقين منتصر على الشك فاختار البسطاء العسكر لاستتباب الأمن و لا يستطيع أحد أن يلومهم “إلا السياسيين ” و من يدعمونهم على عمى دون تفكير حتى.
و أكبر عملية خداع و أسوأ ما في الأمر هو افتراض الغباء في المواطن السوداني و اختزال القوى المدنية في شخوص محددين “حمدوك و خالد سلك” و بقية شلة قحت سابقاً و تقدم لاحقاً (صمود) حالياً. و كأن حواء السودان عقرت من غيرهم، وهذا ليس صدفة بل مخطط له تماما قيادة معلبة مستوردة من الخارج عليها مواد حافظة تمنعها من سرعة انتهاء الصلاحية عند مصنعيها الأجانب لمجرد أنها ترفع شعارات كاذبة يجب أن تحكم السودانيين حتى لو أنها لا تفعل شيئاً.
المضحك في الأمر هو الدعاية البائسة التي تشيطن أي سوداني عارض هذا المشروع الأجنبي و تصفه بكوز حتى لو كان مسيحيا أو يسارياً أو غيره للتعتيم على فشلها، علاوة على أفعالها التي تناقض شعاراتها فنادت بالديموقراطية فحظرت و أغلقت التعليقات من ذات الشعب الذي تريد أن تحكمه. و نادت بالحرية فتم اعتقال العديد في عهدها وهي تحكم سنتين كاملتين أمثال معمر موسى و آخر مسيحي، بل حتى الذين تم اعتقالهم في عهدها كمواطنين داخل أو خارج السودان (و أنا واحد منهم) لم تهتم بهم ولم تسعَ لإطلاق سراحهم لا عبر وزيرة خارجيتهم مريم الصادق و لا عبر حمدوكهم صاحب العبور الذي لم يتحرك أساساً.
هذه الفئة التي تفترض ضمنياً أن خيار “الدولة المدنية” محصور في شخوص معينة أو تيار سياسي واحد، بينما الواقع أثبت أن “المدنيين” الذين حكموا خلال الفترة الانتقالية لم يكونوا نموذجًا يحتذى به، بل مارسوا نفس الإقصاء والانتقام السياسي، وجعلوا البلاد تعيش في فوضى بسبب العناد والاستقطاب. فهل المطلوب أن نظل متمسكين بنفس الوجوه ونفس الأخطاء لمجرد أن الشعار جذاب؟!
هؤلاء القوم بارعون في تكرار دعاية أن العسكر أسوأ مليون مرة من أخطاء السياسين و يدعونك للمدينة بشعارات براقة، فالتاريخ السياسي السوداني القريب يؤكد بأن جميع الانقلابات العسكرية التي تمت كانت بنخطيط سياسي إذن كمواطن لن أكون مثالياً وأدافع عن تيار سياسي ثبت بالدليل القاطع أنه لا يهتم إلا بمصالحه الضيقة.
وحتى يستقطبونك بنعومة يصورون لك بأن الأمر مجرد خيارين (جنة) و (نار) نفس النخبة السياسية الفاشلة أو العسكر، و الحقيقة هي أنه لا يوجد خياران فقط، بل هناك خيار ثالث وهو التفكير بعقلانية بعيدًا عن الاصطفاف الأعمى، والبحث عن مشروع وطني حقيقي بعيدًا عن الاستغلال السياسي، ولكنهم لا يشيرون إليها و لا يذكرونها لك لأنها تفتح عيونك لملعب آخر هم لا يريدونك أن تذهب إليه طالما يخرجهم من المعادلة السياسية إلى الأبد.
أخيراً وصل بهم الحال بالإساءة للشعب الذي أتى بهم للسلطة على طبق من ذهب بدون تعب (طلبهم ديلفري) من مكاتب الغرب و وضعهم في الكراسي وعندما اكتشف فشلهم قالوا عنه شعب غبي يعشق الدكتاتورية وبوت العسكر، بدلاً عن لوم أنفسهم بالفشل التخطيطي الذي لم يترك للشعب خيارا غير اللجوء للعسكر للاحتماء بهم في كل دولاب العمل المدني الذي غادروه هربا لحظة ضياع الوطن.