الخبر السوداني

الجزيرة.. بين وجع الحرب وأمل النهوض

بقلم / أحمد علي عبدالقادر

متابعات الخبــــر الســــــوداني

قبل الحرب، كانت الجزيرة قلب السودان النابض، مزارعها الخضراء تمتد بلا نهاية، تغذي البلاد قطناً و قمحاً، وتُشبع الناس طمأنينة وحياة. كانت البيوت عامرة، المدارس تعجّ بالأطفال، والمستشفيات تسابق الألم قبل أن يتمكن من أحد. لكنها اليوم ليست الجزيرة التي نعرفها، بل جزيرة من الأحزان والمآسي، جزيرة تُطعن في قلبها كل يوم، وتئن تحت وطأة الجريمة والخذلان.

الحرب لم تترك فيها شبراً إلا وطالته الخراب. لم تحرق الحقول فقط، بل حرقت القلوب، لم تسرق الممتلكات فقط، بل سرقت الأرواح والكرامة. في شوارع مدني، حيث كانت الحياة تضجّ بالحركة، صار الصمت سيد المكان، ليس صمت السلام، بل صمت المدن المنكوبة التي لا تجد من يسمع نحيبها.

قد يظن البعض أن تعويض الجزيرة يكمن في ضخ الأموال أو إعادة بناء بنيتها التحتية. لكن كيف تعوّض أرملةً رأت زوجها يُقتل أمامها؟ كيف تخبر طفلةً صغيرة أن ما مرّت به لم يكن إلا كابوساً، بينما جسدها يحمل ندوب الجريمة؟ كيف تعيد الحياة لرجلٍ دفن أسرته بيديه تحت أنقاض منزله؟ كيف تنظر في عيون أمٍّ تنتظر ابنها، وهي تعلم أنه لن يعود؟

إننا لو منحنا الجزيرة دخل السودان القومي لخمس سنوات متتالية، فلن نمسح دموع أمهاتها، ولن نطفئ حرائق قلوب أبنائها. الجزيرة تحتاج ما هو أعمق من المال، تحتاج أن نعيد إليها ثقتها في الحياة، أن نثبت لها أن السودان لم يخذلها، أن نكون صوتها حين تخنقها الدموع، وسندها حين يخذلها الجميع.

إنها اليوم ليست تلك الولاية التي كانت تغذينا، بل ولاية تحتاج أن نغذيها نحن، نغذيها بالصبر، بالعدالة، بالاعتراف بجرحها، بمحاسبة من أجرموا في حقها. تحتاج أن نعيد بناء الإنسان قبل أن نعيد بناء الجدران، أن نمسح الدمعة قبل أن نمسح آثار الدمار، أن نعيد لها الأمان قبل أن نعيد لها المباني.
أهل الجزيرة لا يريدون الصدقات، لا يريدون التعاطف البارد، يريدون عدالة، يريدون إنصافاً، يريدون وطناً لا يسمح بأن يُقتل فيه الأبرياء دون حساب.

الجزيرة ليست مجرد بقعة على الخريطة، إنها قلب هذا الوطن، وإذا تُرك هذا القلب ينزف دون علاج، فإن النزيف سيصل إلى كل السودان. فلنعطها من أرواحنا قبل جيوبنا، من وفائنا قبل مواردنا، من إنسانيتنا قبل شعاراتنا.

يوماً ما، ستعود الجزيرة، ستقف من جديد، لكن حينها، لن تحاسب القتلة فقط، بل ستحاسب كل من صمت، كل من اعتبر أن آلامها مجرد أرقام في الأخبار.
لنبدأ الآن، قبل أن تكتب الأجيال القادمة أسماءنا في سجل المتخاذلين.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.