كتب / أحمد علي عبدالقادر
متابعات الخبــــر الســــــوداني
في تحليلي الاستراتيجي و السياسي لتهديدات عبد الرحيم دقلو الأخيرة إليكم هذه القراءة :
لا يُمكن فصل تصريحات عبد الرحيم دقلو، القائد الثاني لمليشيا الدعم السريع، عن سياق الهزائم المتتالية التي مُنيت بها قواته في الخرطوم ومدني وسنار وأطراف الجزيرة. هذه التهديدات باجتياح الشمالية والفاشر ليست سوى محاولة يائسة لتصديع جدران الواقع، بعد أن انهارت أحلام المليشيا بسيطرة عسكرية كاملة على السودان. التصعيد المعلن اليوم هو الورقة الأخيرة في يد قيادة مفككة تحاول تحويل الحرب إلى لعبة دماءٍ وإعلام، بينما تُخفي خلف الخطاب الاستعلائي ارتباكاً استراتيجياً وانهياراً ميدانياً.
- سياسياً: تصعيد لخلط الأوراق وإخفاء الانهيار
- السياق الخادع: تأتي التهديدات في توقيتٍ بالغ الحساسية، حيث تتصاعد الدعوات الإقليمية والدولية للحوار، وتتزايد التقارير عن تفكك بنية المليشيا داخلياً. التصريح باحتلال الفاشر—رمزية الدولة في دارفور—والشمالية—الممر الاستراتيجي للجيش—هو محاولة لـ:
- تحسين موقف التفاوض عبر ابتزاز المجتمع الدولي.
- تعويض الخسائر المعنوية بعد فقدان السيطرة على مناطق كانت تُعتبر “قلاعاً” للمليشيا.
- تفجير الصراع العرقي والمناطقي لصرف الانتباه عن فشل مشروعها العسكري.
- العزلة الدولية: تكشف التصريحات عن استهتار صارخ بقرارات مجلس الأمن (مثل القرار 2724) وبيانات الإدانة العالمية. فالمليشيا، بخطابها التصعيدي، تُظهر أنها خارج حسابات الشرعية الدولية، وتعتمد على حرب العصابات لفرض وجودها، حتى لو كان الثمن دمار السودان وتشريد الملايين.
- عسكرياً: مغامرة مكشوفة… وحسابات خاطئة
- الفاشر: القلب النابض لدارفور: مهاجمة المدينة، التي تُعد آخر حصون الجيش في الإقليم، لن تكون إلا مغامرة مكلفة. فالمليشيا تريد تحويلها إلى ساحة دعاية لترويج وهم الانتصار، لكنها تنسى أن سكان دارفور—الذين عانوا من جرائمها—أصبحوا جزءاً من المعادلة المقاومة لأجندتها التدميرية.
- الشمالية: خط أحمر استراتيجي: محاولة اختراق الولاية الشمالية—ذات البنية المجتمعية المتماسكة—ستواجه مقاومة شرسة من القبائل والجيش، وقد تُحوّل المليشيا إلى فريسة سهلة في صحراء مكشوفة، بعيداً عن حرب المدن التي اعتادتها.
- حرب الإلهاء: يسعى الدعم السريع لجر الجيش إلى معارك مفتوحة، لاستنزافه وإعادة إنتاج سردية “الضحية” إعلامياً. لكن الخطة تنم عن جهل بطبيعة الحرب الشاملة، حيث فقدت المليشيا أهم أوراقها: السيطرة على العاصمة، والتمويل الخارجي، والغطاء الشعبي.
- صمت النخب: ازدواجية مريبة وتواطؤ مُدان
الأكثر إثارة للاستفهام هو الصمت المُريب لأغلب القوى السياسية التي طالما اتهمت الجيش بـ”تعطيل الحل السياسي”. اليوم، بينما تعلن المليشيا صراحةً نيتها حرق البلاد، تكتفي هذه الأطراف بالصمت وفي السابق كانت تنزوي تحت بياناتٍ مبهمة، وكأن الدم السوداني يُسفك على مقاس أجنداتها الضيقة. هذا الصمت ليس بريئاً، بل هو عدة أمور تتمثل في :
- تواطؤ مع مشروع الفوضى: عبر منح المليشيا هامشاً للتحرك دون إدانة علنية.
- انكشاف أخلاقي: فمن يرفضون تسمية المجرم عند ذبح الأبرياء يفقدون شرعية تمثيل الشعب.
التصعيد الأخير للمليشيا هو صفارة إنذار أخيرة للمجتمع الدولي وللسودانيين: - عالمياً: يجب تحويل بيانات الإدانة إلى عقوبات فعلية تستهدف موارد المليشيا وقياداتها.
- محلياً: على النخب السياسية اختيار جانب التاريخ؛ إما الوقوف مع مشروع الدولة، أو الانحياز لمليشيا حوّلت السودان إلى ساحة لمليشيات الإرهاب الدولي.
- شعبياً: مقاومة المشروع التدميري للدعم السريع لم تعد خياراً، بل ضرورة وجودية. فالسكوت اليوم يعني قبوراً جماعية غداً. فالسيناريو الأسوأ ليس حتمياً… لكن الوقت ينفد.