الخبر السوداني

25% من السلطة أم 100% من الوطن؟ معركة السودان الحقيقية بين اقتسام الغنائم وتحرير الدولة

كتب / مكاوي المليك

متابعات الخبــــر الســــــوداني

‏✍️Makkawi Elmalik

‏وسط دخان الحرب المشتعلة في السودان..يعلو جدل عقيم حول حصة الـ25% المخصصة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا..وكأن بوسع شعب منكوب بحرب إبادة وتفكك مؤسسات ونزوح الملايين أن يحتمل بعد هذا اقتسام الغنائم السياسية

‏في حوار الجزيرة اليوم ظهر صوتان من قلب الحركات المقاتلة إلى جانب الجيش – مصطفى تمبور والصادق النور – يختلفان ويتفقان في الوقت نفسه حول حدود هذه الحصة..لكنهما أجمعا ضمنيًا على ما يجب أن يكون هو عنوان المرحلة: المعركة ليست من أجل وزارة..بل من أجل الوطن

‏هذا الجدل حول نسبة الـ25% يفضح أولًا علة جوهرية في منطق اتفاق جوبا نفسه: تفتيت مفهوم الوطن إلى حصص تفاوضية..وإضفاء شرعية زائفة على تقاسم السلطة وفق حسابات الفصائل…في الأصل كان يفترض أن يكون الاتفاق خطوة أولى نحو بناء دولة المواطنة والقانون..لكن تم اختطافه منذ توقيعه بتحويله إلى صفقة محاصصة رخيصة

‏واليوم في ذروة حرب وجودية ضد ميليشيا نهب واغتصاب وإبادة جماعية..تعود هذه العقلية لتسمم مشروع بناء الدولة..وتحوّل النقاش السياسي إلى بازار…بدل أن يكون السؤال: كيف نحرر السودان؟ اصبحت: من يحصل على هذه الوزارة ومن يملك تلك الولاية؟

‏إن هذا المسار المدمر ليس جديدًا..القوى السياسية التي تبكي اليوم على اتفاق جوبا هي نفسها من أفشله حين حولته إلى أداة للمكايدة وللتكسب السياسي..أطلقت يد الميليشيات ورفضت تنفيذ الترتيبات الأمنية..ثم حين اندلعت الحرب..انقسمت على نفسها..تاركة الدولة تنهار والشعب يذبح

‏والأخطر أن استمرار هذا الجدل في بورتسودان اليوم – بعيدًا عن جبهات القتال – يكشف أن كثيرًا من القوى السياسية لا تزال غارقة في وهم “التسوية” قبل التحرير…هي تريد قسمة سلطة على أرض محتلة ومدمرة..بينما الجيش وقوات الحركات المقاتلة معهم يواجهون أرتال المرتزقة والدعم الإماراتي والخراب الممنهج الذي استهدف المدن والبشر والحجر

‏ما قاله الصادق النور بوضوح في الحوار مهم جدًا: المشكلة ليست في الـ25% بل في الـ75% أيضًا. القوى السياسية التقليدية الاخرى التي تمسك بمعظم السلطة كانت – ولا تزال – عاجزة عن إدارة البلاد..وبدل أن تدعم المجهود الحربي وتوحد الجبهة الداخلية..تمارس الابتزاز والعرقلة

‏نعم حركات دارفور التي تقاتل الآن مع الجيش ضد مليشيا دقلو والامارات دفعت دمًا وشهداء ثمناً لهذا الموقف الوطني..في وقت ظل فيه ساسة ناعمون في بورتسودان يزايدون بالكلام ولا يقدمون شيئًا. هنا يظهر المفارقة: من يقاتل من أجل بقاء الدولة يتهمه البعض بالسعي لحصة أكبر..بينما من يتهرب من القتال يفاوض على مكسب سياسي بلا دموع ولا خجل

‏الحقيقة أن معركة السودان اليوم أكبر من الـ25% والـ75%. المعركة على بقاء الدولة نفسها…على وحدة أراضيها…وعلى هوية وطنية جامعة تُخرج السودانيين من دوامة التقسيم القبلي والجهوي والصفقات قصيرة النظر

‏إن تشكيل حكومة كامل إدريس يجب ألا يكون تقاسمًا جديدًا للغنائم…بل إعلان تعبئة وطنية حقيقية. ينبغي أن تكون حكومة حرب وتحرير..حكومة تسخر كل الإمكانيات لطرد الميليشيا ووقف التمويل الأجنبي لها وإعادة بناء المؤسسات الأمنية على أسس مهنية ، لا على المحاصصات الهشة(رجاءا دعو ادريس يعمل)

‏هذه هي الأولوية…قبل أي توزيع للسلطة..لا بد من استعادة السيادة…قبل أي تفاهمات سياسية..لا بد من دحر الاحتلال الميليشياوي وتجفيف منابع الدعم الإقليمي له

‏وأي حديث عن حصص قبل التحرير هو خيانة لدماء الشهداء ولدموع ملايين النازحين

‏لهذا يجب أن يكون موقف القوى المقاتلة واضحًا: مثل البطل مصطفى تمبور نعم للحوار حول السلطة..لكن بعد التحرير. نعم لتطبيق اتفاق جوبا..لكن على أسس وطنية جديدة تستوعب كل من حمل السلاح دفاعًا عن السودان..وتقصي كل من خان وباع وسهل للميليشيا غزو بلاده

‏السودان اليوم لا يحتاج إلى حكومة موزعة كالكعكة بين قوى عاجزة. بل إلى قيادة صلبة توحد الجبهة الداخلية..تسند الجيش والمقاتلين..تحارب الفساد والخيانة..وتزرع الأمل في الشعب

‏هذه ليست حربًا على السلطة…هذه حرب على الخراب

‏والسودانيون لن يقبلوا أن يظل السياسيون يتفاوضون على الـ25% فيما الوطن يُسلب 100% من كرامته وأرضه

‏والله المستعان

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.