اجتماع العلمين: مصر تُعيد ضبط البوصلة الإقليمية وتحاصر أطماع المليشيا ومرتزقة ليبيا”
كتب / مكاوي المليك
في واحدة من أهم المحطات الدبلوماسية المرتبطة بالأزمة السودانية ..استضافت مدينة العلمين المصرية لقاءًا ثلاثيًا غير معلن جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي..رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان..وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر
اللقاء – الذي كشفت عنه مصادر دبلوماسية بعد تكتم رسمي – لم يكن اجتماع مجاملات..بل جاء في توقيت بالغ الحساسية..على وقع أخطر محاولة لتدويل الحرب السودانية عبر فتح جبهة إمداد جديدة للمليشيا المتمردة..بدعم مالي ولوجستي إماراتي وتنسيق اماراتي ليبي..عبر المثلث الحدودي الصحراوي بين ليبيا..السودان..ومصر
لقد رصدت التقارير الميدانية في الأسابيع الماضية تحركات مشبوهة لقوافل أسلحة ومرتزقة عبر الحدود الليبية نحو عمق السودان الغربي ..في محاولة لإعادة تنظيم مليشيا دقلو والامارات ..وفتح خطوط إمداد بديلة بعد خسائرها في الوسط والجزيرة وسنار. هذا الممر الصحراوي – شديد القسوة وصعب المراقبة – كان الهدف منه الالتفاف على تقدم الجيش السوداني عبر كردفان نحو دارفور..وتهديد الولاية الشمالية السودانية لابتزاز الحكومة الشرعية وتخفيف الضغط العسكري…(تأكدت من انسحاب الجيش من المثلث كان تكتيكيا وذكيا🙂↕️ )
هنا تدخلت القاهرة بحسابات استراتيجية عميقة…مصر التي تدرك تمامًا أن أي عبث بالمثلث الحدودي سيتحول إلى سرطان أمني على طول حدودها الغربية والجنوبية..لن تسمح بسيطرة مرتزقة عابرة للحدود مدعومة خارجياً..قد تتمدد لاحقًا باتجاه واحة سيوة أو السلوم أو تعمّق فوضى الساحل الليبي الغربي
كما أن مصر – التي تجد نفسها اليوم أمام طريق مسدود في مفاوضات سد النهضة – تعلم أن أمنها القومي المائي مرتبط مباشرة بوحدة السودان واستقراره..لا بتمكين مليشيا غير منضبطة قد تساوم إثيوبيا اذا سيطرت على السودان..أو تفتح أبواب الابتزاز على حساب مياه النيل الأزرق..السودان بالنسبة للقاهرة خط أحمر..ليس من باب العواطف..بل من صلب الأمن القومي المائي والحدودي والاستراتيجي
لذلك سعت القيادة المصرية في هذا الاجتماع إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
✅ أولًا..تحييد أي دعم أو غطاء سياسي أو عسكري قد يقدمه حفتر للمليشيا..خاصة مع تقارير عن فتح مستودعات في ليبيا لإمداد المليشيا..حفتر يدرك بدوره أن مصلحة بقائه واستقرار شرقي ليبيا مرهونة برضا القاهرة..وأنه لا يستطيع خوض مغامرات تتعارض مع الأمن القومي المصري
✅ ثانيًا، إعادة تثبيت التفاهمات الأمنية بين مصر والسودان..لتأمين الحدود الثلاثية ومنع أي محاولة لاستخدام الصحراء الشمالية كطريق غزو يهدد مدن وقری الولاية الشمالية..والتي قد تتحول إلى كارثة إنسانية كبرى إذا دخلتها الحرب وتتحملها مصر ايضاً
البيان الرسمي المصري اكتفى بالكلمات الدبلوماسية عن وحدة السودان وأمنه واستقراره..لكن مضمون الاجتماع كان أوضح من أي بيان: مصر تُبلغ الجميع أنها لن تسمح بتفكيك السودان أو فتح طرق تهريب السلاح والمرتزقة عبر حدودها..وأنها مستعدة لدعم الحكومة الشرعية في حربها ضد المليشيات العابرة للحدود
إن هذا التحرك المصري ليس تفضلاً على السودان..بل دفاع عن مصالح استراتيجية مشتركة…وإن كانت القاهرة في فترات سابقة قد حاولت اللعب على الحبال عبر محاولات وإغراءات فاشلة من بن زايد..فإن تطورات الحرب السودانية وضغوط سد النهضة أقنعتها بأن الرهان على المليشيات هو انتحار سياسي وأمني
من هنا تأتي أهمية هذا الاجتماع الثلاثي: إنه محاولة مصرية لإغلاق الثغرة الليبية – الإماراتية في خاصرة السودان الغربية..وتوحيد الجهود لتأمين الحدود الصحراوية المفتوحة..وتجفيف مصادر الإمداد للمليشيا في المثلث
لكن هذا لا يعني أن الحرب قد حُسمت دبلوماسيًا..على السودان – جيشًا وشعبًا – أن يواصل الحذر والاستعداد. فالمليشيا وداعميها سيظلوا يبحثوا عن طرق التفاف جديدة ومحاولات قذرة والمال الإماراتي يظل وقودًا يحرك المخططات. لكن اللقاء المصري السوداني الليبي يوجّه رسالة واضحة: المثلث الحدودي لن يُترك ساحة مفتوحة للمرتزقة والسلاح..وأمن مصر والسودان وليبيا متداخل ومترابط..ولن يُسلَّم للابتزاز والتمزيق
ختامًا..على السودانيين أن يدركوا أن هذه الحرب لم تعد حرب عاصمة أو أقاليم منفصلة..بل معركة وجودية على حدود مترامية..وما يجري في العلمين ليس إلا حلقة من الصراع الأوسع على السودان وهويته ووحدته..وإن كان الجيش السوداني يخوض معركته على الأرض..فإن على الدولة السودانية أن تدير معركتها الدبلوماسية بأقصى درجات الذكاء والصلابة..لتفكيك التحالفات الداعمة للخراب..ولحشد كل من يفهم أن تفكيك السودان ليس في مصلحة أحد.