الخبر السوداني

عثمان ميرغني..يكتب (لماذا ؟ كل هذا؟)..

حديث المدينة

متابعات الخبــــر الســــــوداني

الأجيال الجديدة من السودانيين ربما ليس في ذاكرتها شيء مما حدث في مثل هذا اليوم عام 1971.. وهي تدفع ثمنه إلى الآن.. رغم مرور أكثر من نصف قرن.
انقلاب عسكري ناجح استلم الحكم في عز نهار الاثنين 19 يوليو 1971، ثم الثلاثاء.. الأربعاء.. وفي عصر يوم الخميس 22 يوليو 1971 كانت قوة من ضباط الصف والجنود تطيح بالسلطة الوليدة.
وكان ممكنا أن ينتهي الحدث هنا مثل عشرات الانقلابات في السودان.. لكن شيئا غريبا حدث..توجيهات من قيادة الانقلاب الفاشل بتصفية جميع ضباط القوات المسلحة المعتقلين.. لم يكن لهم أية علاقة بالنظام السياسي.. احتجزوهم لوجودهم لحظة الانقلاب في مواقع الخدمة المعتادة في ادارات الجيش.. أمر التصفية جاء في سياق (نموت كلنا..طالما الانقلاب فشل).
الأشخاص المكلفون بالتنفيذ في معتقل بيت الضيافة (شرق كبري المك نمر الحالي).. نفذوا التعليمات باخلاص.. أطلقوا الرصاص من الرشاشات في الغرف لتحصد كل الموجودين.. ثم بعد ذلك مراجعة الأجساد المضرجة بالدماء واحدا تلو الآخر حتى لا ينجو أحد بالصدفة.
الضابط الأخر المكلف بتصفية المعتقلين في مبنى جهاز الامن القومي.. تلقى الأمر بالهاتف.. وضع السماعة وهو يردد (الليلة نشرب ما نروى..).. ويقصد ان الانقلاب فشل وسيدفع هو ومن معه الثمن.. لكن ضميره منعه من تنفيذ الأوامر.. صارح المعتقلين من زملائه الضباط بأنه تلقى للتو أمرا بتصفيتهم لكنه لن يفعل.. وأطلق سراحهم.
في اليوم التالي اكتست البلاد بحزن كبير.. لأن الدماء التي سالت لم يكن لها أي مبرر.. ولكن المسلسل الدامي لم تنته فصوله..
الرئيس نميري الغاضب بالثلاثة..غضبه الأول من الانقلاب عليه.. والثاني من الاهانة التي وجهت إليه لحظة اعتقاله وحمله في سيارة شحن حافي القدمين.. وحينما زاره قائد الانقلاب الرائد متقاعد هاشم العطا في حجرة اعتقاله بالقصر الجمهوري وتحدث معه وهو يلوح بمسدسه.. والثالث عندما رأي المذبحة التي طالت ضباط جيشه في بيت الضيافة..
تحت تأثير الغضب الثلاثي. أكمل الوجبة الدموية بحزمة أحكام اعدام لحظية طالت العسكريين والمدنيين المتهمين .. وغالبهم من الحزب الشيوعي.
عندما اقيمت مراسم جنازة رسمية جماعية لضحايا بيت الضيافة وشاهد الشعب في شاشة التلفزيون النعوش المتراصة .. كان السؤال الكبير في قلب كل سوداني (لماذا ؟ كل هذا؟)..
حكم تعددي جاء به الشعب في أكتوبر 1964 استمر خمس سنوات. أطاح به العقيد نميري في 25 مايو 1969.. وعملا بمبدأ “الثورة تأكل بنيها”.. أكلت “ثورة مايو” كما كانوا يسمونها ثلاثة من بنيها المؤسسين في نوفمبر 1970 وهم المقدم بابكر النور، والرائد فاروق حمد الله، والرائد هاشم العطا..
لكن الثلاثة أسروها في أنفسهم.. ودبروا أمرهم حتى باغتوا نميري في نهار الاثنين 19 يوليو 1971 بانقلابهم الدامي.. ثم عاد نميري منقلبا عليهم بالأحداث الدراماتيكية المعلومة..
سؤال الشعب السوداني ( لماذا ؟ كل هذا؟) لم يكن سؤالا موضعيا عن تلك الأحداث وحدها.. بل ممطوطا بعمر السودان المستقل والى يومنا هذا .. لماذا يقتلون بعضهم البعض؟ هل فقط ليحكمونا؟ هل حكمنا ممتع لهذه الدرجة؟ فالواقع أن من ظفر وحكم لم يثبت اطلاقا أنه كان يحمل في خاطره مشروعا نهضويا للأمة السودانية.. بل حكم من أجل الحكم.. حتى يومنا هذا؟
ومرت الأيام كالخيال أحلام.. جاء البشير في فجر الجمعة 30 يونيو 1989.. وبدأ عهدا جديدا من جزّ الرقاب.. بزّ فيه ما كانوا قبله منذ موقعة كرري 1898 ..
أوسع الشعب السوداني تقتيلا.. في أول سنة اعاد ذكرى بيت الضيافة بالعدد ذاته من الضباط تقريبا في ما عرف بانقلاب 28 ابريل 1990.. ثم عشرات الأحداث أبرزها قصة معسكر العيلفون الشهيرة.. عشرات الشباب من لم يقتله الرصاص غرق في النيل الأزرق.. حيثيات حكم الاعدام أنهم طالبوا بقضاء عطلة العيد مع ذويهم.
و بدأ مسلسل طويل في حريق دارفور لم تكتمل فصوله ولا مآسيه حتى هذه اللحظة..
ويظل الشعب السوداني يسأل ( لماذا؟ كل هذا؟)
ألأنهم يحبوننا ويتقاتلون في حب التشرف بخدمتنا؟
حسنا.. لماذا من نال الفوز بحكمنا لم يثبت أنه فعلا جاء ليخدمنا؟
بل على العكس أثبت لنا.. أننا خلقنا لخدمته..

حديث_المدينة الثلاثاء 22 يوليو 2025

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.