الخبر السوداني

عثمان ميرغني..يكتب✍️زيارات البرهان

حديث المدينة:

متابعات | الخبــــر الســــــوداني

المساعي لتحويل الانتصارات العسكرية لمكاسب سياسية ليست في مصلحة السودان عامة، ولا البرهان خاصة.

قائد عام الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان هو أول من يصل إلى المواقع التي يحررها الجيش، بلا أدنى تردد أو وجل، أو حتى خشية الهواجس الأمنية، كما حدث في أم روابة والحصاحيصا ورفاعة. يلتقي بالمواطنين مباشرة، بلا حواجز، وربما يلقي خطابًا في الهواء الطلق.

حتى قبل عهد قريب، كان الوضع مختلفًا تمامًا. البرهان يزور المواقع العسكرية قبل العمليات، ولكنه يلتقي بالعسكريين فقط، كما فعل تقريبًا في كل المواقع العسكرية. زار مدني قبل أسبوع من سقوطها في يد التمرد، وزار سنار والقضارف وكسلا وعطبرة ومروي ودنقلا، كلها عدة مرات. وبالطبع، لا يمر أسبوعان إلا ويهبط في وادي سيدنا ويزور منطقة كرري العسكرية. وتظل كل اللقاءات محصورة في العسكريين، وإن سمح بنقلها إعلاميًا.

كل هذه الزيارات وما يصاحبها من زهو شعبي وفرح والتفاف حول قائد الجيش مطلوبة ولها وقع كبير في تحفيز الروح المعنوية لكل الشعب والجيش معًا. كما تبعث برسائل مهمة للخارج أن الشعب السوداني متحد في موقفه من جيشه، تمامًا كما قال البرهان في خطابه بالقيادة العامة بعد فك حصارها: “نحن الآن شهود أن كل الشعب واقف معانا في هذه المعركة.”
لكن – وبكل أسف – لفت نظري محاولة البعض في القطاع السياسي تحريك المشهد في الاتجاه الذي يحصد النقاط السياسية ويعظم الأرباح الحزبية. على الرغم من أن البرهان لم ينطق في كل خطبه إطلاقًا بأنه ينوي استثمار انتصار الجيش لتعزيز موقعه في رأس الدولة، بل لم يحاول أن يطرح تصورات أو نوايا لتكوين حزب سياسي أو تحالفات مع مكونات مجتمعية أو سياسية.

هذه المساعي لتحويل الانتصارات العسكرية لمكاسب سياسية ليست في مصلحة السودان عامة، ولا البرهان خاصة.

منذ استقلال السودان قبل 70 عامًا، ظلت الأحزاب السياسية حريصة على الحكم والسلطة بلا فكر سياسي قومي واضح. أما الأحزاب الطائفية فكانت تحوز على ثقلها الانتخابي من قواعد ثابتة ذات ولاء ديني، أو أحزاب أخرى أيديولوجية سافرة غير معنية بالتنمية والنهضة بقدر اهتمامها بالاستحواذ على السلطة وإقصاء الآخر.

وبعد الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوداني منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023، لم يعد ممكنًا العودة إلى الوراء بالنهج ذاته، والأنانية السياسية المفرطة في تجاهل مصالح الوطن والمواطن.

من الممكن أن يسدي البرهان لوطنه وشعبه جميلاً يسطره التاريخ لو جعل الانتصار العسكري نقطة تحول في مسار التاريخ.

الأمر لا يحتمل التأويل ولا التقصير ولا التأخير. ليس من الحكمة أن تكون جولات البرهان الجماهيرية مشروعًا لتكريس السلطة ولا حجزًا لمقعد في المستقبل السيادي للدولة.

من الحكمة أن يتحرر البرهان من النصائح الملغومة التي تهمس له بمثل ما همست أصوات مشابهة في أذان قادة سلفوا: نميري، ثم البشير الذي بعد 30 عامًا من حكمه لم يعدم من يشجعه لمواصلته رغم أنف الدستور.

الاختيار في يد البرهان: أن يكون قائدًا عسكريًا للجيش يخلد له التاريخ انتصارين: تحرير وطنه ووضعه في المسار الصحيح.

أو… يستعذب طعم الأماني السندسية التي “تتراقص حيالي”، ثم يكتشف أنه وقع في الخطيئة ذاتها التي سبقه إليها كثيرون.

حديث المدينة الأربعاء 5 فبراير 2025

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.