متابعات الخبــــر الســــــوداني
السودان/مدينة كسلا/ خاص فاكت – مروان ابراهيم
داخل أسوار القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم، وبين جدران تحولت إلى خطوط دفاع أخيرة، قضى الفريق رشاد عبد الحميد، قائد القوات البرية، قرابة عامين من الصمود والمقاومة تحت حصارٍ خانق، لم تكن المعركة مجرد مواجهة ضد ميليشيا الدع م السر يع، بل كانت حربًا معقدة امتدت إلى ما هو أبعد، حيث تداخلت فيها أطراف إقليمية، وظهر المرتـ زقة في قلب المواجهة.
يقول الفريق رشاد:
“لم نكن نقاتل ميليشيا متمردة فقط، بل كنا نواجه مرتـ زقة من مختلف دول الإقليم، مدعومين بأحدث التقنيات والإمدادات.
كان علينا أن نبتكر طرقًا جديدة للبقاء والصمود، كنا نعيش بين نيران القصف المستمر، ونواجه نقصًا حادًا في الموارد، لكن الإرادة لم تهتز”.
كيف واجه المحاصرون نقص الإمدادات الطبية؟
مع استمرار الحصار، أصبح الحصول على الأدوية والمستلزمات الطبية تحديًا يوميًا، لم يكن هناك طريق مباشر للإمداد، فكان الحل في اللجوء إلى الطائرات المسيّرة، تم تسخير هذه التكنولوجيا في نقل الأدوية من السلاح الطبي إلى داخل القيادة العامة.
يحكي الفريق رشاد: “كنا نكتب قائمة الأدوية المطلوبة ونرسلها عبر الطائرة المسيّرة إلى السلاح الطبي.
هناك، يقوم الأطباء بتجهيز الأدوية وربطها في كيس صغير، ثم تعود الطائرة المسيّرة محملة بها، حتى التحاليل الطبية كنا نرسلها بنفس الطريقة، والطبيب الوحيد معنا كان يتلقى بعد ذلك النتائج.
لم تكن الطائرات المسيّرة مخصصة لنقل الإمدادات فحسب، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية إدارة الأزمة داخل الحصار، حيث تم استخدامها في مراقبة التحركات العسكرية المعادية، والتواصل بين الوحدات المقاتلة داخل محيط القيادة العامة.
معاناة المصابين… انتظار الفرج وسط الجراح
بين رصاص القناصة وشظايا القذائف، كان المصابون ينتظرون دورهم في الإجلاء، لكن الأمر لم يكن سهلًا، لم تكن هناك ممرات آمنة، ولا سيارات إسعاف يمكنها العبور وسط القتال.
“المصابون كانوا ينتظرون أيامًا وأسابيع، بعضهم فقد أطرافه، وآخرون كانوا ينزفون دون مساعدة، عندما تمكنت القوات من كسر جزء من الحصار، كان أول قرار لنا هو إجلاء الجرحى عبر بحري إلى السلاح الطبي، حتى لحظة خروجي من القيادة العامة، لم يكن هناك أي جريح متروك، فقد كانت الفرق الطبية مستعدة لإنقاذهم في اللحظة التي وصلوا فيها.”
صمود لا ينكسر… معركة الكرامة
لم يكن الهدف مجرد الصمود، بل كان الدفاع عن أخر قلاع الجيش في الخرطوم.
كان هناك التزام واضح بين الجميع: “لن يدخل المتمردون القيادة العامة طالما نحن على قيد الحياة.”
“هذه ليست مجرد حـ رب، هذه معركة كرامة وهوية.. كنا نعلم أن سقوط القيادة العامة يعني انهيار الجيش، ولذلك صمدنا بكل ما نملك.
لم يكن هناك خيار آخر، كانت هذه معركة كل سوداني يؤمن بوحدة بلده وسيادته”.
قائد ميداني… ومسيرة حافلة بالحروب والتحديات
لم يكن الفريق رشاد عبد الحميد غريبًا عن ساحات المعارك فقد بدأ مسيرته في الفرقة التاسعة المحمولة جوًا، متنقلًا بين الوحدات المقاتلة، من النيل الأزرق إلى كردفان ودارفور قاد معارك مصيرية، وتولى مناصب قيادية جعلته في قلب المواجهات العسكرية على مدى عقود.
أبرز المحطات في مسيرته:
-قائد الفرقة التاسعة المحمولة جوًا.
-قائد الفرقة 14 مشاة.
-رئيس لجنة المراقبة في بعثة اليونسفا.
-والي مكلف لولاية جنوب كردفان.
-مدير إدارة المراسم العسكرية.
قائد القوات البرية منذ أغسطس 2022، بقرار من رئيس مجلس السيادة – الرئيس الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
بعد عامين من الجحيم… استراحة المحارب
بعد ما يقارب عامين من القتال المستمر، خرج الفريق رشاد عبد الحميد من القيادة العامة، متجهًا إلى مصر بغرض الاستشفاء، وسط استقبال حافل من السفارة السودانية في القاهرة، رحلة العلاج هذه تأتي بعد فترة من الصمود الاستثنائي في مواجهة قوات الدع م السر يع المتمردة – “جمهورية الكدمول”، في إشارة إلى طبيعة تكوينها وتحالفاتها وغطاء الراس الذي تستخدمه.
ورغم خروجه من أرض المعركة، يظل الفريق رشاد مؤمنًا بأن الحرب لم تنتهِ بعد، وأن السودان يواجه معركة وجودية تتطلب إرادة قوية وتكاتفًا وطنيًا لإنقاذ البلاد من الفوضى والانقسام.
“السودان لن ينكسر… هذه معركة مصيرية، وسيعود السودان أقوى بجيشه وشعبه، لن نسمح أبدًا بأن تضيع تضحيات الذين صمدوا واستشهدوا”.