حديث المدينة | عثمان ميرغني
متابعات الخبــــر الســــــوداني
الشعب المصري، في سياق حياته اليومية، يستخدم كثيرًا كلمة “انجز” للتعبير عن مفهوم العمل وارتباطه بالأهداف. فالمطلوب دائمًا أن تظهر النتائج بشكل مباشر كثمرة للجهد والعرق.
عندما قرأت خبرًا عن زيارة الدكتور كامل إدريس إلى مصر اليوم الإثنين، طاف بذهني سؤال صريح: حكومة لم تجتمع حتى الآن، وينقصها وزير خارجية، فما الذي تريد أن تقوله إلى القاهرة؟
أول زيارة لرئيس الوزراء لها أهمية قصوى، ولا يتوقع أحد أن تتحقق النتائج المرجوة إن لم يكن للجانب السوداني رؤية واضحة ومدروسة لما يريده من مصر. فقد استهلك الجانبان كل عبارات الطبطبة الودية التي تتحدث عن العواطف المشتركة.
أمس، ظهرت أخبار أخرى عن تأجيل الزيارة “لمزيد من الترتيبات مع الجانب المصري”، بما يعني أن الأجندة لم تستوفِ متطلبات النتائج المرجوة من أول زيارة لرئيس وزراء بعد أربع سنوات منذ استقالة الدكتور عبدالله حمدوك.
مصر ليست كأي دولة بالنسبة للسودان، والقضايا التي تُبحث بين قيادتي البلدين لا تنحصر في الشؤون الثنائية، بل تمتد في إطار مركب بين الأجندة المشتركة إقليميًا ودوليًا. توقيت الزيارة، في زحمة تقاطعات دولية وإقليمية، يتطلب خارطة طريق واضحة للمسارات التي يجب على البلدين اتخاذها لضمان أعلى المكاسب وأفضل ضمانات المستقبل الآمن.
كنت أتمنى من الدكتور كامل إدريس أن يكمل تشكيل حكومته بتعيين وزير الخارجية، ثم يعقد الاجتماع الأول الذي من خلاله تظهر الرؤية المؤسسية للحكومة، و”ينجز” أول مؤتمر صحفي يحضره الإعلام المحلي والإقليمي والدولي ليشرح الخطوط العريضة لسياسات السودان الداخلية والخارجية. بل وأكثر من ذلك، يعلن عن ضربة البداية في استلام مجلس الوزراء لملف المفاوضات والسلام.
مثل هذه الخطوات تكفل تحقيق أفضل النتائج للتحركات الخارجية، خاصة مع مصر، التي تستطيع، علاوة على الشأن الثنائي، أن تدعم السودان في سياساته وأجندته الخارجية.
وعندما يصل الدكتور كامل إلى القاهرة، يجدر أن يحمل في حقيبته ملفات مهمة جاهزة ومدروسة تسهل الوصول إلى ما يسميه أشقاؤنا المصريون “انجز”. أولى هذه الملفات هو فتح مسار المفاوضات مع دولة الإمارات برعاية – وليس وساطة – مصرية.
ملف السلام بات حتميًا وفاصلًا بين مصيرين: سودان واحد يسع أهله جميعًا، أو بداية تفكك قد يراه البعض سهلًا لكنه وخيم العواقب.
لا وقت للمقدمات أو التردد. حديث مباشر من رئيس الوزراء مع القاهرة يطرح تصورًا واضحًا لسياسة خارجية سودانية تعتمد مبدأ الارتباط الإيجابي مع أي طرف دولي أو إقليمي. مصر لها كلمة ووزن دولي وإقليمي كبير، تستطيع أن تضخ في رؤى وتصورات السودان مزيدًا من القوة والصلابة التي تحقق الأهداف بأسرع وأسهل ما يمكن.
في تقديري، الدكتور كامل إدريس يستفيد كثيرًا من تأجيل الزيارة، لأنه فعلًا في حاجة إلى مزيد من الوقت والترتيبات والتخطيط لضمان تحقيق أعلى النتائج من الجانب المصري.
حديث_المدينة الإثنين 4 أغسطس 2025