كتب / مكاوي الملك
متابعات الخبــــر الســــــوداني
منذ إعلان قائد مليشيا الإمارات محمد حمدان دقلو (حميدتي) نفسه رئيسًا لمجلس رئاسي في حكومة موازية حتي مسرحيات نيالا اليوم ..استعادت ماكينة الإعلام الإماراتي الممول خطابها المسموم: إعادة تسويق المليشيا في ثوب جديد”تأسيس”..وتغليف الجرائم ومشروع التقسيم بأوراق دعائية زائفة..لكن خلف هذا الضجيج الإعلامي يقف مشروع قديم متجدد وقلناها منذ بداية الحرب: تفكيك السودان
ومع ذلك..فإن القراءة العميقة للمشهد السياسي والاجتماعي والعسكري والإقليمي تؤكد أن هذه “الحكومة الموازية” ليست بداية تقسيم..بل انعكاس لأزمة داخلية خانقة داخل المليشيا..أكثر منها مشروعًا قابلاً للحياة
أولاً: الواقع الميداني
المليشيا التي تتحدث اليوم عن حكومة موازية هي ذاتها التي فقدت السيطرة على وسط وشرق السودان بما في ذلك الخرطوم والجزيرة ..وتراجعت إلى جيوب مشتتة تتحرك بلا تنظيم في شكل عصابات نهب وقتل في بعض مناطق كردفان ودارفور
بكلمات أوضح: لا سلطة فعلية على الأرض..ما يجري هو استعراض إعلامي اماراتي مدفوع ..هدفه تعويض الانكسار العسكري والسياسي
ثانياً: الشرعية الدولية والإقليمية
في السياسة…الاعتراف الدولي هو الفيصل..وحتى اللحظة..أكدت الأمم المتحدة..الاتحاد الإفريقي..الجامعة العربية..ومجلس الأمن والدول أن الحكومة الشرعية الوحيدة في السودان هي تلك التي يرأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان
حتى أقرب الحلفاء الإقليميين للمليشيا يرفضون الاعتراف الرسمي بها..إدراكًا منهم أن هذا الكيان هشّ ويصطدم بالشرعية الدستورية..ولن يحظى بأي استمرارية
ثالثاً: الحاضنة الاجتماعية المفقودة
حتى داخل دارفور وكردفان..تفجّرت التناقضات بين أبناء القبائل العربية المنخرطين في المليشيا..الخلافات والنزاعات أدخلت هذه القبائل في صراعات داخلية هي في غنى عنها بسبب المليشيا
قبائل كالسلامات..البني هلبة..الفلاتة..والمسيرية..وغيرهم اغلب هذه القبائل رفضوا بشكل متزايد الانخراط في حرب بالوكالة…ما يُسمى “حكومة نيالا” ليس إلا واجهة مرتزقة بلا حاضنة شعبية حقيقية، وكل الحشود الإعلامية الأخيرة لم تكن سوى تجمّعات مدفوعة الثمن ومقاتلين المليشيا بالزي المدني
رابعاً: تفكيك خطاب الإعلام
خطاب “الحكومتين” وخطر “التقسيم” يخدم هدفين أساسيين:
- تغطية جرائم المليشيا وتلميع صورتها رغم خسائرها الفادحة
- الإيحاء بوجود مشروع سياسي بينما لا توجد شرعية ولا اعتراف ولا قاعدة اجتماعية
هو خطاب تضليل..لا يعكس حقيقة الواقع بل يعكس يأس داعميه
خامساً: معادلة الاستقرار
الجيش السوداني – رغم كل التحديات – يظل المؤسسة الوحيدة القادرة على حفظ وحدة الدولة…ولهذا السبب يتمسك به المجتمع الدولي مرجعية شرعية وحيدة
أما المليشيا..وقد تورطت في جرائم حرب وتطهير عرقي ضد المدنيين..وحصار المدن..وحرق معسكرات النازحين..وتجويع النازحين..فقد فقدت أي رصيد أخلاقي أو سياسي يجعلها بديلاً مقبولاً
التجربة أثبتت: الإعلام لا يصنع دولة..ولا يفرض شرعية..ولا ينقذ مليشيا من نهايتها المحتومة.. لكن الامارات تواصل بحماقة
سادساً: البعد الإقليمي
تستخدم الإمارات ورقة حميدتي كما استخدمت أدواتها في ليبيا واليمن..محاوِلة جرّ مصر إلى سيناريو “التعامل مع حكومتين”. لكن مصر..بحكم الجغرافيا والتاريخ..تدرك أن وحدة السودان هي عمقها الاستراتيجي..وأي تفكك للسودان يفتح أبواب فوضى عابرة للحدود تهدد الأمن القومي المصري مباشرة
لذلك..حسب المصادر الدولية بدأت تتحرك القاهرة عبر مسارات دبلوماسية وأمنية متوازية لدعم الدولة السودانية الموحدة..لا لتشريع كيانات هشّة
الخلاصة
إعلان “حكومة موازية” من نيالا ليس بداية تقسيم السودان..بل هو أوضح دليل على مأزق داخلي عميق يعيشه مشروع المليشيا المدعوم إماراتياً
السودان..رغم جراحه..يمتلك عناصر الصمود:
• جيش مؤسسي ومقاومة شعبية وشرعية دستورية
• حكومة أعادت ملايين النازحين بعد استعادة الجيش للمناطق وتقدم الخدمات
• رفض شعبي واسع لمشاريع التقسيم والارتزاق
ما يُروّج عن “فرص التقسيم” ليس إلا محاولة يائسة للضغط على الدولة السودانية..ومساومة مصر على عمقها الاستراتيجي
إنها ليست معركة “حكومتين” بل معركة: شرعية دولة ضد وهم مليشيا اماراتية .. ووعي شعب ضد مشروع فوضى مدفوع الثمن