متابعة :الخبر السوداني
جريمة (أمن الدولة)!!
في قصة سيدنا إبراهيم الشهيرة.. قام بغارة ليلية على أصنام قومه وحطمها تحطيماً ماعدا أكبرهم حجماً.. ثم ترك الفأس في يد كبيرهم هذا..
في الصباح لما رأى القوم (الدمار الشامل) أجروا تحريات أولية فاشتبهوا في إبراهيم (سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم).. صدر أمر قبض و احضار أمام الجميع.. فالصدى الاعلامي للجريمة سيهز اعتقاد الناس في آلهتم، ويجب أن يشهدوا الاستجواب و المحاكمة.. ( قالوا آتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون).
سؤال :(أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم) ؟
جواب : (بل فعله كبيرهم هذا فأسألوهم ان كانوا ينطقون ..)
نظر المحققون إلى بعضهم البعض.. ثم نظروا إلى الجمهور المتجمع.. وأدركوا أنهم وقعوا في فخ منصوب باحكام.. فتهامسوا (إنكم أنتم الظالمون..)..الدليل المادي فعلا يثبت أن من بيده الفأس هو المجرم.
هنا تأتي المفارقة.. حالة الانكار Denial عندما تبلغ ذروتها..
إنكار بصري مادي.. و إنكار فكري معتقدي.
ألجمتهم حجة إبراهيم بأن أداة الجريمة بيد المجرم في مسرح الجريمة.. فأقروا بهذا (المشهد البصري).. و مارسوا فضيلة الإعتراف بالخطأ (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون).. (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ..).. حالة انكار بصري مشهدي.. رغم ثبوت الدليل المادي.
مواصلة الاستجواب..
سؤال : (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ..).
عندما بدأوا الاستجواب وصفوها بـ”آلهتنا”.. ( من فعل هذا بآلهتنا)؟؟
وعندما أوقعهم في الفخ لم ينتبهوا لملافظهم فاستخدموا “هؤلاء”..(لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ..) “هؤلاء” أقرب لـ (الجماعة ديل..).. المحققون نزعوا الاحترام عنها دون أن يشعروا..
و تبلغ القصة ذروة المواجهة التي قصدها سيدنا ابراهيم.. الانتقال من المواجهة الجنائية إلى الفكرية..
(قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم..)؟
تحول المتهم إلى محقق يستجوب الفكرة لا المشهد البصري..
و أدرك قوم إبراهيم خطورة المواجهة.. ابراهيم لم يكن يقصد (تحطيم) الآلهة مادياً.. هو يحاول تحطيم الفكرة وبأسلوب (إعلامي!).. بإشاعة فكرة غياب الإرادة والقدرة عند الآلهة.
المحققون قرروا تحويل التهمة من مجرد جريمة (جنائية!) إلى جريمة (أمن الدولة)..
و صدر الحكم بالإعدام حرقاً بالنار.. (حرقوه.. وانصروا آلهتكم..)
التنفيذ على مرأى الشعب حتى تحترق الفكرة قبل الجسد..
وصدر الأمر الأعلى المباشر.. بلا وسيط من الملائكة (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم..).
ارتقاء الفعل.. إلى كن فيكون..
..(و نجيناه..).