متابعة :الخبر السوداني
تسببت تصاريح الإقامة وصعوبات التعليم في دفع العديد من السودانيين لمغادرة مصر والعودة طواعية إلى وطنهم مجددًا، وذلك في ظل أنباء عن تقدم الجيش السوداني في بعض مناطق العاصمة الخرطوم على حساب قوات الدعم السريع.
وفقاً لشهادات بعض العائدين إلى السودان، فإن “انعدام مصادر الدخل، وارتفاع تكاليف المعيشة في المدن المصرية، بالإضافة إلى إغلاق المدارس السودانية، دفعت مئات الأسر للعودة.”
في حين أشار مراقبون إلى أن “مئات الأشخاص يعودون إلى وطنهم في السودان يومياً”.
وأشاروا إلى أن “حوالي 12 ألف سوداني قد عادوا إلى وطنهم الأسبوع الماضي”.
تستقبل مصر آلافاً من السودانيين الذين هربوا من النزاع الداخلي.
صرح السفير المصري في السودان، هاني صلاح، خلال منتصف سبتمبر الماضي، بأن “مصر استقبلت حوالي مليون ومئتي ألف سوداني بعد اندلاع الحرب”، بالإضافة إلى العديد من السودانيين الذين يقيمون في مصر منذ سنوات.
أفادت مصادر سودانية مطلعة مقيمة في مصر بأن “السفارة السودانية في القاهرة أطلقت مشروع العودة الطوعية للسودانيين الذين يرغبون في العودة إلى بلادهم مرة أخرى”.
أفادت المصادر التي تحدثت إلى “الشرق الأوسط” بأن “المشروع يشمل تقديم تسهيلات للعائدين، مثل وسائل نقل مجانية، وصولًا إلى أسوان (جنوب مصر)، ومن ثم الانتقال إلى المنافذ البرية الحدودية بين مصر والسودان”.
يربط بين مصر والسودان معبران بريان هما “أرقين” و”أشكيت” (ميناء قسطل)، حيث يعتمد البلدان على هذين المعبرين في التجارة ونقل الأفراد. وقد لجأ الآلاف من السودانيين إلى هذين المنفذين للانتقال إلى المدن المصرية بعد اندلاع الحرب الداخلية.
روايات العائدين
«عدنا إلى وطننا لأننا تركنا ممتلكاتنا وأموالنا، على أمل أن تنتهي الحرب خلال بضعة أسابيع»، هكذا وصفت بخيتة محمد، الأم السودانية لثلاثة أبناء، تجربتها في العودة مرة أخرى إلى ديارها في الخرطوم.
ذكرت في حديثها مع “الشرق الأوسط” أنها “قررت العودة مرة أخرى بسبب صعوبة تنظيم حياة عائلتها نتيجة لارتفاع إيجار الوحدات السكنية في مصر، وارتفاع تكاليف المعيشة، ونقص فرص العمل”.
وأشارت المرأة الخمسينية إلى أنها “تندرج ضمن عدد من الأسر السودانية التي قررت العودة إلى بلادها مع تحسن الأوضاع بشكل نسبي في العاصمة الخرطوم”.
نفذ الجيش السوداني مؤخراً عملية عسكرية واسعة النطاق لاستعادة العاصمة الخرطوم من “قوات الدعم السريع”، حيث أفادت تقارير ميدانية بأنه تم استعادة بعض المناطق في العاصمة، بما في ذلك “الخرطوم بحري”.
ذكرت الأكاديمية السودانية زينب بشرى النور أسباب عودة أسرتها مرة أخرى إلى مدينة أم درمان، ومن هذه الأسباب “زيادة أسعار الإيجارات السكنية، نفاد المدخرات المالية للأسرة، وتوقف الدراسة في المدارس السودانية بمصر”.
أغلقت السلطات المصرية في يونيو الماضي العديد من المدارس السودانية بسبب “عدم توافر الشروط المطلوبة”.
طالبت سفارة السودان في القاهرة، إدارة المدارس بـ”تسوية أوضاعها”.
ذكرت الأكاديمية السودانية لصحيفة “الشرق الأوسط” أن “الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش السوداني شجعت العديد من الأسر على العودة، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها في الحصول على تصاريح الإقامة في مصر، بالإضافة إلى قيام السلطات المصرية بطرد المخالفين للقوانين”.
تشترط السلطات المصرية على السودانيين الذين يقيمون في أراضيها “تسوية وضع إقامتهم من خلال الحصول على تصاريح إقامة قانونية”، حسب ما أفادت به وزارة الداخلية المصرية.
أسباب العودة
يتناول نائب رئيس الجالية السودانية في القاهرة، أحمد عوض، ما وصفه بالوضع الفريد للسودانيين الذين فروا من الحرب.
قال في حديثه لجريدة “الشرق الأوسط” إن “معظم الأسر السودانية هربت من السودان بدون أوراق ثبوتية، مما زاد من صعوبة تنظيم إقامتها، وأثر على إمكانية تسجيل أطفالها في المدارس الحكومية أو الخاصة في مصر”، مضيفاً أن “الخيار الوحيد لهذه الأسر كان المدارس السودانية قبل إغلاقها”.
رأى عوض أن “النجاحات التي حققها الجيش السوداني مؤخراً في العاصمة الخرطوم، حفزت العديد من الأشخاص على العودة”.
ودلل على ذلك بقوله: “في الأسبوع الماضي، ارتفعت أعداد العائدين إلى ديارهم لأكثر من 12 ألف سوداني”، مشيراً إلى أن “السلطات المصرية تقدم تسهيلات للراغبين في العودة، حتى لأولئك الذين دخلوا مصر بطرق غير قانونية”.
أفادت صحف سودانية بأن مراقبين في معبر “أشكيت الحدودي” أوضحوا أن “العودة الطوعية للسودانيين من مصر بدأت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة”.
أشارت إلى أن “عدد العائدين في شهر أغسطس (آب) الماضي وصل إلى حوالي 7890 شخصاً، بينما بلغ العدد في شهر سبتمبر الماضي 12539 شخصاً، ومعظمهم من الأسر”.
وأفادت أن “في ظل الانتصارات الأخيرة للجيش في السودان، تم تسجيل عودة حوالي 350 شخصاً إلى السودان يومياً”.
يرى محمد جبارة، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في “جمعية الصداقة السودانية – المصرية”، أن “عودة الحياة إلى طبيعتها في بعض المناطق بالسودان، واستئناف خدمات المرافق مثل المياه والكهرباء في مناطق من الخرطوم، قد شجع العديد من السودانيين على العودة إلى بلادهم مرة أخرى”.
قال جبارة لـ«الشرق الأوسط» إن «الكثير من الفارين من الحرب لديهم رغبة في العودة مرة أخرى»، مشيراً إلى أن «رحلة العودة تشمل الانتقال براً من القاهرة إلى أسوان، ومن ثم إلى المنافذ الحدودية، وبعد ذلك يستكمل العائدون رحلتهم داخل السودان إلى منازلهم».
أكد الكاتب والمحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة “التيار”، أن “قرار عودة السودانيين إلى ديارهم يتم بشكل طوعي، دون أي ضغط من أي جهة، سواء داخل السودان أو من مصر”. وأوضح لـ”الشرق الأوسط” أن عودة السودانيين تمثل “انعكاساً لتحسن الأوضاع الداخلية في السودان، مما يعزز الثقة في عودة المزيد منهم”.