حديث المدينة
رصد – الخبر السوداني
رئيس مجلس السيادة البرهان زار أمس أسمرا والتقى نظيره الرئيس الاريتري أسياس أفورقي.. لأول مرة يرافقه وزير الاعلام الجديد خالد الأعيسر.. وفي اليوم نفسه كان وزير الخارجية على يوسف يحط في أديس أبابا ويجتمع مع نظيره الاثيوبي.. وقبلها زار كينيا والتقى وزير الخارجية.
حراك دبلوماسي نشط ومطلوب لترقية التواصل مع الاقليم في هذه المرحلة .. ولكن لضمان أن يؤتي ثماره في أقل وقت ممكن لابد أن ينبني على رؤية و خطة استراتيجية وخارطة طريق واضحة.
الرؤية تتطلب بصيرة سديدة تنظر للعلاقات الخارجية باعتبارها واحدة من أهم أدوات النهضة لأية دولة.. ولكن العلاقات الخارجية لا تنبني على ردود الأفعال أو الخطط التكتيكية قصيرة الأمد.. بل نظرة حصيفة للمستقبل البعيد والقريب و بلورة أسس مؤسسية لادارة علاقات وشراكات منتجة.
الأولوية حاليا انهاء الحرب لصالح الوطن والمواطن السوداني بأعجل وقت وأقل خسائر .. والعمل على استعادة الدولة في المسار الطبيعي بالتخلص من آثار الحرب المباشرة وغير المباشرة.
لكن الأولوية لا تعني الانفراد بمسار واحد.. فهي مسارات متوازية تعمل جنبا إلى حنب وفق خارطة طريق تمنح الأفضلية لكل ما يؤدي لانهاء الحرب عاجلا.. بشروط الوطن والمواطن.
في الوقت الراهن يجب أن يكون العنوان الرئيسي للسياسة الخارجية السودانية هو “الشرعية” ولا شيء غيرها.
و كلمة “الشرعية” لا تعني قصورا في وضع الدولة السودانية حاليا و نقص اعتراف العالم بها.. بل تعني توحيد المنصة التي تطرح بها الأزمة السودانية في المحافل كافة.. على “الشرعية” أساسا لأي تفاهم.
لنأخذ مثلا..
في مسار المفاوضات.. و خلال الأشهر الماضية ظلت الحكومة تصر على أن المدخل للانخراط في أية مفاوضات هو تنفيذ اتفاق منبر جدة في مايو 2023. وهذا خلل عظيم في ديناميكية التفاوض بل وفي السياسية الخارجية السودانية.
ما وصلت اليه مفاوضات منبر جدة في ذلك الوقت المبكر من عمر الحرب كان محكوما بظرف الزمان والمكان حينها.. مكانيا لم يتعد الميدان العسكري 20 كيلومترا مربعا و داخل العاصمة فقط.. وزمانيا في الشهر الأول للحريق.. وحينها كان الانسحاب من بيوت المواطنين والأعيان المدنية والخدمية يمثل فعلا تطورا مهما لاستعادة الأوضاع بأسرع ما يمكن لوضعها الطبيعي..
لكن الآن الحرب تمددت في ولايات عديدة.. و ارتفعت أرقام النازحين إلى أكثر من 12 مليون داخليا، و حوالي 4 مليون لاجئين خارجيا.. هنا لم يعد الأمر خروج من البيوت والأعيان المدنية ..بل أكبر من ذلك كثيرا.. تأكيد شرعية الجيش قوة دستورية معترف بها داخليا ودوليا تستلزم الاقرار بأن الخروج عليه هو محض تمرد ولا سبيل سوى انهاء التمرد و تفكيكه وتسليم أسلحته للجيش.
هذا الأمر يتطلب الارتفاع بسقف مطالب الحكومة فوق الجزئيات التي تتعلق باخلاء بيوت المواطنين .. والاصرار على أن الأمر يتعلق بالشرعية وليس أي اتفاق جزئي آخر.
عندما تتحرك السياسة الخارجية السودانية تحت عنوان”الشرعية” فإنها لاتمنح أية مسافة للمساومة عليها.. فهو أمر يتعلق بميثاق الامم المتحدة الذي ينص على أن سيادة الدول هو معيار التعامل ولا يتحقق السلام الدولي إلا بحماية وصيانة هذه السيادة القطرية.
من الحكمة ان نبني سياستنا الخارجية على “شرعية” الدولة والجيش الذي يحميها.. دون اهدار الوقت في جزيئيات تجاوزها الواقع.