إبراهيم شقلاوي..✍️ يكتب الاتحاد الإفريقي: قيادة جديدة قد تطوي صفحة الخذلان؟
وجه الحقيقة:
متابعات / الخبــــــر الســــوداني
شكلت نتائج الانتخابات الأخيرة لمفوضية الاتحاد الإفريقي علامة فارقة في مستقبل المنظمة ودورها في القارة. فقد انتُخب وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف رئيسًا للمفوضية، وفازت الجزائرية سلمى مليكة حدادي بمنصب نائب الرئيس، في دورة توحي بتحولات سياسية جوهرية تعكس توازنات جديدة داخل القارة. تأتي هذه التغيرات في ظل انقسام إقليمي واضح وتجاذبات حول قضايا السيادة، والأمن، والديمقراطية، والسلام.
اختيار محمود علي يوسف، الذي يشغل منصب وزير خارجية جيبوتي منذ عام 2005، لرئاسة المفوضية يُعد تطورًا لافتًا يحمل دلالات سياسية تتجاوز حدود القارة الإفريقية. انتخابه بأغلبية الثلثين يعكس توافقًا واسعًا بين الدول الأعضاء على الحاجة إلى قيادة جديدة تعزز الأمن والسلام في إفريقيا. يوسف، المعروف بخبرته الدبلوماسية ورؤيته لتعزيز الحكم الرشيد والتكامل الاقتصادي، يُمثل توجهًا نحو إصلاح سياسات المنظمة، بعيدًا عن المحاباة أو التبعية التي وصمت حقبة القيادة السابقة.
الانتخابات شهدت تنافسًا حادًا بين يوسف والكيني “رايلا أودينغا”، الذي يُعتبر رمزًا للسياسات المناوئة لمصالح السودان. خسارة أودينغا تمثل ضربة ليس فقط لكينيا، ولكن أيضًا للأطراف التي حاولت استغلال الاتحاد الإفريقي لتحقيق أجندات ضيقة، مثل دعم مليشيا الدعم السريع. وقد لعبت دول مثل الجزائر وجيبوتي دورًا محوريًا في إحباط هذه المحاولات، مما يعكس بروز تيار إفريقي يرفض الابتزاز السياسي وفرض الأجندات المنحازة .
بالنسبة للسودان، تحمل هذه النتائج رمزية خاصة. إذ ينظر السودانيون إلى انتخاب جيبوتي والجزائر كتعبير عن الأمل في استعادة مكانتهم داخل الاتحاد وطي مرحلة الخذلان التي شهدتها مواقف المنظمة تجاه السودان، خصوصًا بعد تعليق عضويته وعدم إدانة الأطراف الإقليمية التي أسهمت في إشعال الحرب المدمرة التي أوشكت على إتمام عامها الثاني. هذه المواقف ارتبطت بإدارة موسى فكي، الذي اتسمت ولايته بقرارات مثيرة للجدل، مثل منح إسرائيل صفة المراقب ودعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي لمخاطبة القمة. وسعيه الدائم لنصرة مليشيا الدعم السريع وداعميها المحلين و الإقليميين.
رئيس المفوضية الجديد، المعروف بنهجه الدبلوماسي المتزن، يحمل آمالًا للسودان في استعادة عضويته وإدانة المليشيات المتمردة وداعميها الإقليميين. زيارته لبورتسودان في أكتوبر 2024 ولقاؤه بالفريق أول عبد الفتاح البرهان عكسا دعمه الواضح للسيادة السودانية، حيث وصف الحرب بأنها “مفروضة على السودان”. هذه التصريحات، إلى جانب التوجهات الجديدة للمفوضية، تُعطي السودان أملاً في استعادة مكانته الإقليمية وإدانة المتمردين بشكل رسمي.
أما الجزائر، التي فازت بمنصب نائب الرئيس، فقد ظلت من أبرز الدول الرافضة للتدخلات الخارجية في الشؤون الإفريقية. دورها في التصدي مع جنوب أفريقيا لمنح إسرائيل صفة المراقب يمثل موقفًا مبدئيًا يعكس نهجًا إفريقيًا جديدًا في تعزيز استقلالية الاتحاد. انتخاب الجزائر وجيبوتي يعزز تحالفًا يُرجى منه إعادة التوازن داخل المنظمة وتقليص النفوذ الخارجي الذي يسعى إلى توظيف الاتحاد لأغراض سياسية محدودة.
هذه التغيرات تعكس رغبة القارة في تحرير قراراتها من الهيمنة الخارجية، مع التركيز على القضايا الأمنية والتنموية. ويظل الأمل معقودًا على أن تسهم القيادة الجديدة في تعزيز الديمقراطية، الحكم الرشيد، ودعم الدول التي تواجه أزمات اقتصادية وأمنية.
لعب السودان دورًا بارزًا في الانتخابات الأخيرة وترتيب المشهد عبر تحركات دبلوماسية قادها مجلس السيادة السوداني ، بحانب وزارة الخارجية، والأجهزة الأمنية. هذه الجهود نجحت في تحييد العديد من الدول التي كانت تميل إلى مواقف مناوئة، ما يعكس قدرة السودان على استثمار نفوذه الإقليمي وعلاقاته الإفريقية رغم التحديات.
أعلن محمود علي يوسف بحسب “العربي الجديد” عن عزمه تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة. هذا التوجه يفتح المجال لدعم السودان في إعادة بناء بنيته التحتية المدمرة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. كما يمكن للاتحاد تحت قيادته أن يعيد تنشيط الوساطات الإقليمية لحل النزاعات المسلحة بأساليب إفريقية بعيدا عن التأثيرات الاقليمية والدولية .
في السياق تعتبر خارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للإعداد لمرحلة ما بعد الحرب والتي تضمنت خطوات ملموسة مثل إطلاق حوار وطني شامل يضم كافة القوى السياسية باستثناء المتمردين وداعميهم. و دعت أيضًا إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لإدارة الفترة الانتقالية، وإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية، مع اشتراط إخلاء المتمردين للمرافق المدنية ورفع الحصار عن المدن المحاصرة مثل الفاشر.
حظيت هذه الخارطة بدعم من دول إفريقية عديدة، مثل مصر، الجزائر، جنوب إفريقيا، والسنغال، التي أبدت تأييدها لجهود السودان في استعادة الأمن والاستقرار. هذا الدعم يعكس إدراكًا متزايدًا لخطورة المليشيات المتمردة وتأثيرها السلبي على الاستقرار الإقليمي. كما ينتظر بحسب مراقبين ان تجد هذه الخارطة الدعم الكامل من القيادة الجديدة للاتحاد الأفريقي.
إعادة عضوية السودان إلى الاتحاد الإفريقي ليست مطلبًا سياديًا فقط، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز الشراكة بين السودان ودول القارة. في ظل القيادة الجديدة، تتجدد الآمال بأن يكون الاتحاد شريكًا حقيقيًا للسودان في مواجهة أزماته.
هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن السودانيون، الذين أظهروا دعمًا واسعًا لخارطة الطريق، يأملون أن تجد هذه الخطوات صدى إيجابيًا في الاتحاد الإفريقي، وأن تسهم القيادة الجديدة في طي صفحة الخذلان و إعادة بناء الثقة بين السودان والمنظمة، بما يعكس تطلعات الشعوب الإفريقية قاطبة نحو أمن مستدام ومستقبل مشترك بعيدا عن صراع النفوذ الإقليمي والدولي علي موارد القارة.
دمتم بخير وعافية
الأحد 16 فبراير 2025م Shglawi55@gmail.com