حديث المدينة | عثمان ميرغني
متابعات الخبــــر الســــــوداني
و البلاد تعيش أشد زمانها.. يتابع الشعب السوداني عبر الاعلام الرسمي.. خطابات على الهواء الطلق من رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ثم نائبه مالك عقار.. والمدهش الحدثان في المكان والمناسبة نفسها.
الرئيس البرهان اتهم بعض الوزراء وكبار المسؤوليين باستغلال النفوذ و تعيين أقاربهم في دواوين الدولة.. و قال أنهم يعينون حتى ( حبوباتهم).. ولغير الناطقين بالسودانية..”الحبوبة” هي الجَدة.
ولن يستطيع أحد أن “يزايد” الرئيس في علمه بأحوال الدولة.. فهو الذي ترفع إليه التقارير و أعينه مفتوحة على ما يجري في مسالك ودروب ودهاليز الحكومة.. فإذا أقر أمام بصر وسمع كل الشعب بأن الفساد بلغ ذروته في الخدمة المدنية.. فتحولت إلى “قطاع خاص” بل شركات أسرية تلبي نزوات الأرحام.. فهنا لا يصبح الحديث مجرد خطاب عابر.. بل مرافعة رئاسية أمام منضدة القضاء الجماهيري.. لا تستحق “التصفيق” بل الاحالة إلى المحاسبة.
وفي اليوم التالي.. يجاريه نائبه مالك عقار.. بل يتفوق عليه.. فيصف الوضع في العاصمة المؤقتة بورتسودان خلال العامين منذ انتقال الحكومة إليها.. بأنه أفسح الطريق للبعض ليغترفوا من المال العام بغير حساب.. و دون خوف أو وجل من العقاب.. لدرجة أن مظاهر الثراء لا تحتاج إلى عدسة مكبرة.. فهي بحجم عقارات فاخرة وباهظة متمددة ين العواصم لا يقدر عليها حتى بعض رجال الاعمال ممن أفنوا عمرا في التجارة والاستثمار.
لكن الأكثر دهشة.. هو رد الفعل من كثيرين كانوا يدافعون عن السلطة ويذودون عنها.. لم يهزهم الفساد ، بل (الحديث) عنه !! و كأني بهم يغطون الماعون.. من باب “الدولة فيها ما يكفيها”.
الخوف من “الحديث” عن الفساد.. أكبر كثيرا من الخوف من الفساد.. وهذاه أفضل وصفة لتغرق البلاد في المزيد منه.. تحت طائلة “خلوها مستورة”.
عندما ظللت أنادي و أكرر لدرجة الملل بأهمية وحتمية شغل هياكل الدولة كلها.. و تعزيز قوتها بالمؤسسية التي لا تسمح لها أن تتحول لضيعة خاصة تعبث بها النزوات.. كان كثير من الغافلين -لم أقل المغفلين- يحتجون على ذلك.. ويرددون أن لا وقت للحديث عن هياكل الحكومة.. فالبلاد مشغولة بما هو أهم..
الحرب في سياقها العسكري مقدور عليها.. فهناك جيش به رجال يعلمون ما يجب أن يُفعل.. وقد أوفوها حقها وحققوا الانتصارات في أصعب الأوقات.. لكن بكل أسف ظهرهم مكشوف.. عندما يصر البعض على تقليم الدولة و تغييب مؤسساتها وهياكلها .. فتتآكل من داخلها و تهتز من عمقها .. تصبح المصيبة أكبر من الحرب..
الرئيس البرهان هو الرجل الأول في الدولة.. بقدر ما له من سلطات وتفويض، عليه المسؤولية.. بيده أن يسد ثغرات الجهاز الحكومي .. خاصة مؤسسات الرقابة .. لكنه آثر أن يفرغ جسم الدولة ولا يزال.. حتى هذه اللحظة وبعد أربع سنوات من 25 أكتوبر 2021 حينما انفرد بالقرار.. لم يعين رئيس وزراء ليقود حكومة تنفيذية مستقلة عن مجلس السيادة.. وعندما تكاثر الحديث عن ذلك عين السفير دفع الله الحاج وزيرا لمجلس الوزراء مكلفا بأعمال رئيس مجلس الوزراء فكأنما ألقاه في اليم مكتوفا وقال له “اياك.. اياك أن تبتل بالماء”..
البعض يظن أن وجود أو غياب الحكومة التنفيذية مسألة “تجميلية” لا تفسد جسد الدولة.. والآن يرون بأم أعينهم كيف تسقط الدولة بحصان طروادة.
أما آن لهذا الشعب أن يتمتع بحكم مستقر رشيد..