كتب / أحمد علي عبدالقادر
في خِضَمِّ الحرب التي فرضتها المليشيا الإرهابية على الأمة السودانية التي مزَّقت جسد الوطن، وتسبَّبت في تشريد الملايين وسفك دماء الأبرياء، تطلُّ الفنانة السودانية نانسي عجاج عبر شاشات الإعلام الإماراتي لتُدلي بتصريحاتٍ مسمومة تخلط الأوراق، وتُزيِّف الوعي، وتُبرِّئ جلادي شعبها تحت ستار التبرير السياسي المزيف. ليست هذه المرة الأولى التي تُظهر فيها عجاج تناقضاً صارخاً بين أقوالها وأفعالها، لكنها قد تكون الأخطر، إذ تحوِّل معاناة السودانيين إلى سلعةٍ في سوق النفاق والانتهازية.
وهي إذ تمارس الكذب المُغَلَّف بـ”الوطنية” عبر تبرئة المجرمين بلسان الضحايا تجرأت عجاج ووصفت حرب مليشيا الدعم السريع—التي أغذتها الأموال الإماراتية—بأنها “حرب الإخوان المسلمين ضد المواطن”. وهنا يكمن القلب الفجّ للحقيقة: فبينما تُسلِّط الضوء على جزءٍ من تاريخ المليشيا (كصنيعة النظام السابق)، تتجاهل عمداً أن الدعم السريع تحوَّل إلى وحشٍ مدعومٍ إقليمياً، يذبح المدنيين ويحرق القرى، ليس باسم الإسلام، بل باسم السلطة والثروة. إنها تُخفى جرائم المليشيا وراء شماعة “الإخوان” لتشتيت الانتباه عن دور الإمارات المُجرِم في إطالة أمد الحرب، وكأنها تُعيد إنتاج سردية النظام السابق الذي صنع المليشيا أصلاً!
الرقص على جثث الضحايا: حفلات الإمارات ودعم المليشيا وجهان لعملة واحدة
لا يقتصر تناقض عجاج على الخطاب السياسي الملتوي، بل يتجسَّد في أفعالها كفنانةٍ ترفض أن تكون صوتاً للضمير. متناسية عمدا أن الفنان هو لسان حال شعبه سلما و حربا، و لا أعتقد هنالك مقارنة بينها وبين كوكب الشرق ام كلثوم التي غنت للجيش المصري، ففي الوقت الذي يُصنِّف السودان الإمارات كـ”دولة عدو” لتمويلها المليشيا، وتقطع معها العلاقات الدبلوماسية، تُهرع عجاج إلى دبي لتُحيي الحفلات و”تُغني للإمارات”، وكأنها تُرسِّل تحية شكرٍ لقادة أبوظبي على دعمهم المالي للمجازر! أليس هذا استهتاراً بدماء السودانيين؟ أليست هذه الحفلات ضرباً من “الفنّ المُقزّم” الذي يبيع الكرامة الوطنية في سوق المزايدات؟
الأكثر إدانةً في سلوك عجاج هو صمتها المطبق عن إجرام المليشيا. فطوال سنوات الحرب، لم تُطلق كلمة إدانةٍ واحدةٍ ضد مجازر الدعم السريع، لا في الإعلام ولا عبر منصاتها. بل على العكس، اختارت أن تلوذ بالخطاب الطائفي الزائف، مُحمِّلةً “الإخوان المسلمين” وزر الجرائم التي ترتكبها مليشيا مدعومة إماراتياً. هذا الصمت ليس بريئاً: إنه صمتُ المُتآمر، أو على الأقل، صمتُ مَنْ يخشى أن تفقد رعاياها الإماراتية إن نطقت بكلمة حقٍّ واحدة!
أقسى ما في الجريمة ليس الدم، بل الصمت. فنانةٌ تخفي آلاف الجثث خلف ابتسامتها المُلوثة بالدولار، وتُغَطّي صرخات اليتامى بألحانٍ مُبتذلة. لقد حوّلت الفنَّ – الذي كان ينبغي أن يكون سلاح مقاومة – إلى بوقٍ للاحتلال. إنها لا تُشبه حتى “سالومي” التي رقصت ليقطعوا رأس النبي، بل تُشبه “يهوذا” الذي باع المسيح بثلاثين قطعة فضة.
تتشدَّق عجاج بأنها “مع الشعب”، لكن أيّ شعبٍ هذا الذي تتحدَّث عنه؟ هل هو الشعب الذي يُذبح في دارفور وجبال النوبة؟ أم “شعب” الأضواء الخادعة في قصور الإمارات؟ إنَّ من يُغني لقوةٍ احتضنت المجرمين—كحمد بن جاسم ومحمد دالو—ويُسكِت لسانه عن فضح دعمهم للمليشيا، ليس إلا فناناً مُرتزقاً، يستبدل الوطن بفستان الحفلات، والدماء بصفقات الدولار. تنتهج عجاج ادعاء الحب للشعب عبر أكذوبة تزيِّنها الأضواء.
رسالتنا لبنت عجاج هي أن الفنّ ليس سلعةً للخيانة لأن
نانسي عجاج ليست مجرد فنانةٍ منحازة، بل نموذجٌ لانحدار الضمير الفنّي في زمن الحرب. إنها تذكّرنا بأن بعض “النجوم” لا يختلفون عن قادة المليشيات: كلاهما يبيع الوطن، الأول بالسلاح، والثاني بالصوت. لكن التاريخ لا يرحم المنافقين، والشعب السوداني—الذي أطاح بديكتاتوريات—سيفضح يوماً كل مَنْ تاجر بآلامه. فلتُغَنِّ يا نانسي للإمارات، لكن اعلمي أن الأغنية التي ستبقى هي أغنية الثوار الذين يُحرّرون الوطن من أمثالك.