متابعات الخبــــر الســــــوداني
بقلم: علي منصور حسب الله
في تحول ميداني كبير ضرب عمق مليشيا الدعم السريع، جاءت ضربة نيالا الجوية كصفعة حاسمة فضحت هشاشة المشروع العسكري الذي حاول عبد الرحيم دقلو الترويج له بوهم السيطرة والمناعة ضد الهزيمة. ففي تصريح سابق، تحدّى دقلو قائلاً: “سلاح الجو لن يستطيع ضرب نيالا”، لكن الطائرات السودانية لم تكتفِ بتكذيب حديثه، بل كشفت ضعف دفاعاته وهشاشة استخباراته، وأدخلت مليشياه مرحلة الانهيار التدريجي من قلب الجنوب الغربي للبلاد، ما دفع قادة المليشيا إلى صبّ جام غضبهم على الأبرياء، كردّ فعل هستيري على الضربة.
لم تكن ضربة نيالا مجرد عملية عسكرية، بل كانت رسالة استراتيجية استهدفت العمق اللوجستي والبشري للمليشيا. وأسفرت عن مقتل عدد من المرتزقة الأجانب من دول مثل تشاد، كينيا، جنوب السودان، الإمارات، الصومال، كولومبيا، ليبيا، أفريقيا الوسطى، والنيجر، إلى جانب عناصر سودانية. هذا الأمر يفضح بجلاء تحوّل الدعم السريع من مجرد قوة محلية إلى منصة للارتزاق الإقليمي، تمولها جهات أجنبية بشكل مباشر.
وفي ردّ فعل انتقامي، شنت المليشيا ضربات جوية على مطاري كسلا وبورتسودان، في محاولة يائسة للتغطية على الخسائر الكبيرة التي تكبدتها. وأدى الارتباك الشديد إلى إصدار بيان مربك من عملاء “بونتلاند”، حاولوا من خلاله نفي صلتهم بالاعتداء على السودان، رغم وضوح التنسيق بين المرتزقة والداعمين الإقليميين. ويؤكد ذلك أن السودان بات ساحة مفتوحة لحرب بالوكالة، تقودها أطراف إقليمية ودولية، وفي مقدمتها دويلة الإمارات، التي تعمل بدورها كوكيل لمصالح إسرائيل وأمريكا.
الأهم من كل ذلك هو حالة الارتباك العميقة التي تعيشها مليشيا الدعم السريع بعد ضربة نيالا، حيث امتلأت المستشفيات، وعلى رأسها المستشفى التركي، بالجرحى من عناصر المليشيا والمرتزقة الأجانب. وقد تم تدمير معسكرات رئيسية مثل فاشا، كشلنقو، دوماية، موسيه، وحتى مطار نيالا نفسه، فيما لاحق الطيران الحربي فلول المليشيا على تخوم شنقل طوباي، قاطعاً بذلك شريان الإمداد الجوي والدعم الخارجي.
ووفق مصادر ميدانية، بدأت شخصيات عسكرية وسياسية بارزة ضمن المليشيا الترتيب لمغادرة نيالا، وسط انهيار معنوي وعسكري واضح. كما شرعت المليشيا في تنفيذ حملات اعتقال واسعة طالت قيادات عسكرية وسياسية بارزة، في محاولة للسيطرة على حالة التفكك الداخلي.
أما الحملة الإعلامية التي أطلقتها صفحات الدعم السريع، مدعية تدمير مستودعات وقود الجيش، فلا تعدو كونها استعراضاً أجوف في مواجهة الهزيمة. إنها محاولة بائسة لإقناع أنصارهم بأنهم لا يزالون يملكون زمام المبادرة، بينما الحقيقة على الأرض تقول غير ذلك، إذ يشهد الواقع الميداني تراجعاً واسعاً وخسائر غير مسبوقة.
وفيما يتعلق بالكفيل الإماراتي محمد بن زايد، فقد كشفت مصادر مطلعة عن حالة من الغضب والاستياء الشديدين بسبب فشل المليشيا في تحقيق أهداف المشروع. بل إن ابن زايد وبّخ عبد الرحيم دقلو قائلاً: “أنت مقصّر وعاجز عن تنفيذ الخطة”، في إشارة إلى الإحباط المتزايد من الأداء الميداني رغم التمويل السخي، والتقارير المتفائلة التي ثبت زيفها.
لقد انكشف المشروع. لم تكن نيالا معركة عسكرية فحسب، بل كانت معركة وعي وكرامة. كشفت أن المرتزقة مهما بلغ عددهم، لا يمكنهم هزيمة شعب صامد، وجيش يعرف أرضه وتاريخه. وأثبتت أن الإعلام المدفوع، والتمويه السياسي، والأموال المتدفقة من أبوظبي، لا يمكن أن تنقذ مشروعاً يقوم على الخداع والدمار والارتهان.
وفي الختام، تبقى الحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها: من بدأ الحرب لا يعني أنه سينهيها، ومن استقوى بالخارج، سيُهزم في الداخل.