الخبر السوداني

لا مقارنة بين السعودية مملكة الحسم، مقابل الإمارات و دبلوماسية التنازلات

كتب / أحمد علي عبدالقادر

المزيد من المشاركات

متابعات الخبــــر الســــــوداني

منذ عقود طويلة، تلعب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أدواراً مركزية في السياسة العربية والإسلامية والدولية، في صراع النفوذ والقيادة الإقليمية إلا أن السنوات الأخيرة رسمت معالم فارقة بين المسارين: مسار الثبات على المبادئ والسيادة الوطنية كما تمثله السعودية، ومسار التنازلات البراغماتية كما تمثله الإمارات.
في ظل تصاعد التحديات الجيوسياسية، فإن من يملك قراراً مستقلًا قادر على مواجهة الكبار، ومن يسير ضمن حسابات الرضا الغربي سرعان ما يفقد أوراقه. اليوم، لا مقارنة بين الرياض وأبوظبي. هذا ليس شعاراً دعائياً، بل حقيقة تُترجمها الوقائع والاستخبارات والتحولات العالمية.
السعودية.. المملكة التي ركّعت بايدن
في لحظة فارقة من التاريخ الأميركي الحديث، رفع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن شعاراً انتخابياً صاخباً: “سنجعل من السعودية دولة منبوذة”، في إشارة مباشرة إلى قضية مقتل جمال خاشقجي ودور ولي العهد محمد بن سلمان.
لكن ما إن دخل بايدن البيت الأبيض حتى اصطدم بجدار الواقع السعودي. المملكة لم تتراجع، ولم تعتذر، بل زادت من استقلالية قرارها. وبدلًا من أن تعاني من العزلة، كانت السعودية أول محطة خارجية للرئيس الأميركي في جولته الشرق أوسطية، وهو ما لم يفعله أي رئيس أميركي منذ عقود.
مصادر استخباراتية أوروبية كشفت أن الاستخبارات الأميركية (CIA) أبلغت بايدن مبكرًا بأن محاولات عزل ولي العهد ستفشل وستُفقد واشنطن شريكها الأهم في المنطقة، وأن أي انزياح عن التحالف مع الرياض سيعني فقدان السيطرة على ملفات الطاقة والإسلام السياسي وممرات الملاحة البحرية.
لم تتردد الإمارات في أن تكون أول من كسر الحاجز العربي بالتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني عبر اتفاقية أبراهام عام 2020، وتلتها لاحقًا في زيارات واتفاقات تجارية وعسكرية واستخباراتية.
في المقابل، ظلت السعودية ثابتة على موقفها التاريخي: لا تطبيع قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
حتى حين ضُغط على الرياض في ملف التطبيع بعد توقيع الإمارات والبحرين والمغرب، كانت الاستجابة السعودية ذكية وذات نفس طويل: “نحن نلتزم بالمبادرة العربية للسلام 2002″، وهي الصيغة التي تعني ضمناً أن أي تطبيع مرهون بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
التقارير الإسرائيلية الداخلية (الموساد تحديدا) أبدت انزعاجاً من تماسك الموقف السعودي رغم محاولات الاختراق عبر شخصيات قبلية وواجهات اقتصادية. وتم رصد فشل عدة عمليات دبلوماسية سرية في الرياض لتليين الموقف السعودي.
في حين لعبت الإمارات أدواراً تكتيكية محدودة في سوق الطاقة، كانت السعودية هي اللاعب الاستراتيجي القادر على تغيير المعادلات. قرار خفض الإنتاج عبر أوبك بلص في أكثر من مناسبة أظهر أن الرياض تملك الكلمة الفصل، وأن العالم لا يستطيع تجاهل تأثيرها.
و بينما تعاملت الإمارات مع التيارات الإسلامية عبر سياسات استئصالية داخلية وخارجية، وارتبطت تقارير بدعم أبوظبي لتيارات مضادة في أكثر من بلد عربي، كانت السعودية أكثر اتزانًا، وتبنت موقفاً مزدوجاً قائماً على احتواء الظاهرة ومواجهتها أمنياً وفكرياً لا بالتصفية وحدها.
في السودان، ليبيا، سوريا، اليمن، العراق.. تراجعت أبوظبي عن مشهد القيادة، بينما استعادت السعودية مكانتها كصاحبة القرار السياسي العربي الأهم. من مبادرة منبر جدة في السودان(والذي نفذته القوات المسلحة بقوة السلاح بكل نجاح) ، إلى وساطات الرياض في لبنان وسوريا، أصبح واضحاً أن مفتاح الحلول يمر من بوابة المملكة.
تقارير سربها دبلوماسيون سابقون في الاتحاد الأوروبي أشارت إلى أن الولايات المتحدة وألمانيا تعتبران السعودية مركز توازن العالم الإسلامي، وأن أبوظبي رغم نفوذها المالي، لا تملك العمق الإسلامي الذي يؤهلها للعب هذا الدور. لذلك، غالباً ما يتم استدعاء السعودية للتدخل عندما تفشل المبادرات الإماراتية الهشة.
السعودية ليست فقط قوة اقتصادية أو سياسية، بل هي قلب العالم الإسلامي. مكة والمدينة ليستا رمزين فقط، بل هما قوة ناعمة لا تملكها أي دولة في العالم.
التحول الذي قاده ولي العهد محمد بن سلمان في ملف الحج والعمرة، وتوسعة الحرمين، وفتح السعودية أمام العالم، كلها خطوات أعادت الريادة الدينية والحضارية للمملكة، دون المساس بثوابتها السياسية.
على أبوظبي أن تعلم، فقد تنجح بعض الدول في شراء النفوذ مؤقتاً عبر الإعلام والاستثمارات، ولكن الزعامة لا تُشترى، بل تُنتزع بالمواقف، بالثبات، بالاستقلالية، وبالإرادة السياسية.
في عالم يزداد اضطراباً كل صباح ، تقدمت السعودية كقوة عاقلة، ومرجعية سياسية، وقلب إسلامي نابض، بينما اكتفت أبوظبي بممارسة أدوار الظل التي قد تُصفق لها غرف مغلقة، لكنها لا تصنع التاريخ الناصع.
وهكذا، لا مقارنة بين من يقود ومن يتبع،
لا مقارنة بين من يركّع بايدن ومن ينحني للصهيونية،
لا مقارنة بين الرياض وأبوظبي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.