الخبر السوداني

عثمان ميرغني..✍️يكتب الخطاب الأول…

حديث المدينة

متابعات الخبــــر الســــــوداني

المزيد من المشاركات

عصر أمس، ألقى الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء، خطابه الأول للأمة السودانية. لقد لاقى الخطاب ردود فعل إيجابية من الغالبية. أولئك الذين كانوا ينتظرون على الرصيف لمعرفة وجهة القطار الذي يقوده وجدوا في كلماته ما يطمئن، بينما اضطر المعارضون له – حتى لو كان مبرأً من كل عيب – إلى الصمت النبيل، إذ لم يجدوا في الخطاب ما يبرر إشهار موقف معادٍ.
لتحليل الخطاب بصورة أكثر علمية، يمكن النظر إليه من زوايا متعددة: تأثيره على المواقف المبدئية المؤيدة أو المعارضة، وموقف الحياد، سواء على المستوى المحلي السوداني أو الخارجي الأجنبي.
عند إعلان اسم كامل إدريس لتولي منصب رئاسة الوزراء، الذي ظل شاغرًا منذ استقالة الدكتور عبدالله حمدوك في يناير 2022، ظهرت ردود فعل أولية متباينة. فقد رحّب المؤيدون بالخطوة كمحاولة لسد الفراغ في رئاسة الجهاز التنفيذي، بينما عارضها آخرون، معتبرين أن مجلس السيادة يفتقر إلى الشرعية لتعيين الحكومة منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021.
الغالبية العظمى من السودانيين اتخذت موقف الحياد، تراقب في صمت وتنتظر المؤشرات التي تحدد اتجاه الرياح. هؤلاء بالتحديد كانوا الهدف الأساسي لخطاب كامل إدريس، الذي نجح إلى حد بعيد في استمالتهم وجذبهم إلى مربع “التفاؤل الحذر”.
نجح إدريس في تخطي العقبة الأولى باستمالة المحايدين المنتظرين. من خلال متابعاتي، لاحظت أن الغالبية التي كانت تراقب وتترقب قد أصبحت أكثر اطمئنانًا له، معتمدة على التعهدات والخطوط العريضة التي رسمها في خطابه. لقد منحوه مباركتهم المبدئية، بانتظار تحويل الكلمات إلى أفعال. وهنا يبدأ التحدي الحقيقي أمام رئيس الوزراء.
أمس، كتبت عن خطة الأيام العشرة الأولى، التي أعتبرها حاسمة لوضع إدريس في مكانة قوية للقيادة. يحتاج إلى حشد أكبر تنوع سياسي وجماهيري ومؤسسي لدعم خطته التنفيذية بمختلف اتجاهاتها. الآن، بعد اجتيازه اليوم الأول بنجاح، بات بإمكانه المضي قدمًا في تشكيل هياكل الدولة، بدءًا من تعيين الوزراء، ثم الجهات المساعدة التي تدعم عملية صنع القرار على مختلف المستويات، خاصة تلك ذات الطابع الاستشاري.
أولئك الذين يدعمون السلام والتسوية السياسية وجدوا في خطابه ما يعزز ثقتهم به، بينما وجد أنصار استمرار الحرب “حتى النهاية” بعض شعاراتهم تتردد، إما مباشرة أو بالتلميح. المجموعات السياسية في الداخل وجدت ما يخاطب همومها وتطلعاتها، بينما المكونات العاملة تحت مظلة “صمود” خارج السودان شعرت ببعض الاطمئنان من خلال عبارات مثل “سأكون على مسافة واحدة من جميع المكونات السياسية”.
السؤال الحتمي الآن: ثم ماذا بعد؟
يضع الخطاب كامل إدريس أمام توقعات مرتفعة، خاصة فيما يتعلق بحل الأزمات المعيشية والمعضلات التي تواجه المواطن. في تقديري، يمكنه تحقيق نجاح مبكر إذا توخى أعلى درجات الحرص في اختيار وزرائه. هنا يكمن مربط الفرس، فهو لا يستطيع إدارة هذه المهمة الضخمة بمفرده. الوزراء هم قادة العمل التنفيذي حسب تخصصاتهم، ومنهم يبدأ النجاح… أو، لا قدر الله، الفشل.
كيف يختار كامل إدريس الوزراء؟
اختيار الوزراء الخطوة الأكثر حساسية وحسمًا في مسيرة كامل إدريس كرئيس للوزراء. لتحقيق النجاح في هذه المرحلة، يتعين عليه اتباع نهج متوازن يراعي الكفاءة، القدرات القيادية، والمصداقية الشعبية. أولاً، يجب أن يعتمد كامل معايير واضحة ترتكز على الكفاءة المهنية والخبرة العملية في المجالات الحيوية مثل الاقتصاد، الصحة، التعليم، والادارة. فالأزمات المعيشية التي يواجهها المواطن السوداني تتطلب وزراء يمتلكون رؤية واضحة وقدرة على تنفيذ حلول عملية.
ثانيًا، القدرات القيادية للوزراء مهمة في ظل أوضاع بالغة السوء تتطللب قدرا كبرا من العمل الجماعي وصناعة القرار وفق منهج مؤسسي يستوعب أكبر دائرة ممكنة. ويسهم ذلك في بناء جسور الثقة مع مختلف مكونات المجتمع.
ثالثًا، يتعين على إدريس تجنب الوقوع في فخ “المحاصصة السياسية” الخفية، التي قد تؤدي إلى تعيين شخصيات غير مؤهلة فقط لإرضاء أطراف معينة.ومن الحكمة تشكيل لجنة استشارية مستقلة تضم خبراء وأكاديميين لتقييم المرشحين بناءً على معايير موضوعية.
أخيرًا، يجب أن يركز رئيس الوزراء على سرعة الإنجاز. الوقت ليس في صالحه، والمواطن السوداني ينتظر نتائج ملموسة. اختيار فريق وزاري متماسك وقادر على العمل تحت الضغط سيحدد ما إذا كان خطابه الأول سيظل مصدر إلهام أم مجرد كلمات عابرة. إذا نجح في هذه المهمة، سيكون قد وضع حجر الأساس لتحقيق التعهدات التي قطعها، وسيرسخ مكانته كقائد قادر على قيادة السودان نحو الاستقرار والتنمية.

حديث_المدينة الإثنين 2 يونيو 2025

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.