وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي
متابعات الخبــــر الســــــوداني
مثّلت عملية تدمير الطائرة الإماراتية في مطار نيالا تحولًا استراتيجيًا لا يُقاس فقط بنتائجها العسكرية، بل بما أحدثته من تداعيات إقليمية ودولية واسعة، إذ أخرجت الملف السوداني من حالة الجمود إلى ديناميكية الحراك من جديد، وأعادت ترتيب قواعد الاشتباك العسكري في المنطقة.
أعلن التلفزيون الرسمي السوداني الأسبوع الماضي عن استهداف طائرة شحن إماراتية تحمل مرتزقة كولومبيين وإماراتيين. وبحسب المصادر، حاولت الطائرة التسلل إلى مطار نيالا تحت غطاء جوي كثيف، وكانت أشبه بغرفة عمليات.. طائرة مجهزة بمنظومات إلكترونية وأسلحة نوعية قادرة على تغيير ميزان القوى في معارك دارفور وكردفان.
جاءت العملية بحسب مصادر نتيجة جهد استخباراتي معقد بدأ برصد إشارات إلكترونية مشفرة وتحليل نمط طيران غير معتاد من قاعدة إماراتية سرية، وانتهى بضربة جوية دقيقة نفذتها ثلاث مقاتلات سودانية نجحت في تحييد الهدف قبل تنفيذ مهمته.
على المستوى الأمني، تم تحييد طائرة محمّلة بصواريخ أمريكية ومنظومات اتصالات متقدمة كان الهدف منها دعم عمليات المليشيا في العمق السوداني. أما على المستوى السيادي، فقد شكّلت العملية ردًا حاسمًا على ما وُصف بـ”الاختراق الإماراتي المنظم”، وأعادت تثبيت مبدأ أن الأجواء السودانية ليست ساحة مستباحة للتدخلات.
أحدثت العملية صدى واسعًا، خصوصًا في كولومبيا، حيث أدان الرئيس غوستافو بيترو بشدة استخدام مواطنيه كمرتزقة، واعتبر ذلك شكلاً من أشكال الاتجار بالبشر، معلنًا فى تغريدة على منصة أكس عزمه طرح تشريع يجرّم هذه الظاهرة. وقد أعادت تصريحاته إلى الواجهة ملف تصدير المقاتلين السابقين إلى مناطق النزاع عبر شركات أمنية خاصة، وُجهت فيها أصابع الاتهام لشركات إماراتية مثل “دارك ماتر” و”سبيير أوبريشنز غروب”.
وغطت وكالات الأنباء العالمية الحدث، فيما نقلت صحيفة El País الإسبانية عن مصادر سودانية أن الطائرة تم تتبعها منذ انطلاقها من قاعدة في الخليج، وأن العملية حملت رسالة مباشرة ضد التدخل الأجنبي في النزاع السوداني.
في المقابل، بحسب سودان تريبيون، 2025/8/8 ردّت أبوظبي بإغلاق أجوائها أمام الطائرات السودانية، وفرضت قيودًا على الملاحة البحرية ومنعت رسو السفن السودانية. في خطوة فسّرها البعض كتصعيد سياسي–اقتصادي، بينما رأى آخرون أنها ساهمت – ولو بشكل غير مقصود – في الحد من تهريب الذهب والعملات الصعبة، مما منح الاقتصاد السوداني هامش تنفس.
يندرج نجاح العملية ضمن استراتيجية الجيش السوداني التي تستهدف شل البنية التحتية للمليشيات عبر ضرب مراكز القيادة والسيطرة والتموين والإمداد وتفكيك منظوماتها اللوجستية. وفي بيئة معقدة جغرافيًا مثل دارفور وكردفان، يصبح تآكل القدرة على إدارة المعركة عاملاً حاسمًا في حسم الحرب المشتعلة في السودان منذ 15 أبريل 2023 .
وكشف التحقيق أن الطائرة كانت تقل 61 مرتزقًا كولومبيًا مدرّبين على تشغيل الطائرات المسيّرة والأنظمة القتالية، إلى جانب ثلاثة ضباط إماراتيين، أحدهم برتبة عقيد، وثلاثة أوروبيين مجهولي الهوية، إضافة إلى صواريخ أمريكية وأجهزة لإنشاء قاعدة مسيّرات قرب نيالا لشن هجمات بعيدة المدى، خاصة على مدينة الأبيض. وفق تقرير “Shadow Wars in the Red Sea Basin – يوليو 2025”.
إسقاط الطائرة المحملة بأسلحة أمريكية في نزاع لا تدعمه واشنطن أثار قلقًا أمريكيًا بشأن تسرب التكنولوجيا العسكرية إلى أطراف غير مرغوب فيها. وفي خلفية هذه المخاوف، برزت تسريبات محلية عن وساطة مصرية بطلب إماراتي لجمع البرهان وولي عهد أبوظبي في لقاء محتمل، ما يعكس تحولًا كبيرًا في المواقف .
وعلى الصعيد الدبلوماسي، شهدت المنطقة حراكًا لافتًا، حيث زار وزير الخارجية التركي القاهرة أمس والتقى الرئيس المصري لمناقشة قضايا إقليمية، من بينها الوضع في السودان، ربما في تذكير بالمبادرة التركية السابقة في بورتسودان أواخر 2024. كما التقى في وقت سابق مسعد بولس، كبير مستشاري الولايات المتحدة لشؤون أفريقيا، بنظيره التركي هاكان فيدان في إسطنبول، ووزير الخارجية المصري في واشنطن، لبحث إدارة الأزمات الإقليمية وعلى رأسها النزاع السوداني.
في جانب آخر أصدرت الإمارات بيانًا أمس بشأن حرب السودان، على خلفية التصعيد في نيالا، في محاولة لتهدئة التوتر ودفع الأزمة نحو السلام ، بالتزامن مع تحركات إقليمية ودولية متسارعة.
بالنظر إلى هذه التفاعلات، يتضح وفقًا لـ #وجه_الحقيقة أن ما بعد نيالا ليس كما قبلها. لم تكن الضربة مجرد نجاح عسكري، بل رسالة واضحة بأن السودان قادر على حماية سيادته والرد بقوة عند المساس بخطوطه الحمراء. فعملية مطار نيالا كشفت حدود التدخلات الإقليمية، وقلبت موازين الصراع السياسي والعسكري في السودان والمنطقة، كما انها كسر للجمود وإعادة تشكيل المشهد الأمني والسياسي بمعادلات جديدة .
دمتم بخير وعافية.
الأثنين 11 أغسطس 2025م Shglawi55@gmail.com