الخبر السوداني

و رحل ( بحرُ )

متابعات الخبــــر الســــــوداني

و هل يرحل البحرُ ؟ .
قولي نعم يرحل البحر …. يرحل كما يسكن …. يرحل حيث أراد الله و يسكن حيث يسكنه و يجري متى أجراه و في رحيله نفع و سكونه و جريانه ….
أنه بحر الذي عرفته و لم ألتقيه ( و القلب يعشق قبل العين أحيانا ) …….
بحر احمد بحر….
و ما أدراك بحر احمد بحر ؟ …..
في عام ٢٠٢٢ م شاهدت في قروب من قروبات التواصل زحفاً من الناس يتدافعون في إحدى القرى و القرى المجاورة لها رجالاً و ركباناً ، كباراً و صغاراً ونساءا ، يحملون رجلاً على الأكتاف ….. يتزاحمون في موكبه و يتدافعون نحوه يكبرون و يهللون و يزغردون …
تم بث هذا الفيديو بدون تعليق فاستفزني الفضول للتعليق بأسئلة مقتضبة :
ما هذا ؟ و أين هذا ؟ و من هذا ؟ …
أجابني أحد المعلقين أن هذا إحتفال لقرى أم قناص بمحلية أم روابة بمناسبة خروج ابنهم اللواء المجاهد بحر أحمد بحر من سجون حكومة قحت . و هو أحد القادة الذين شملتهم (التنحية) من الجيش تحت ذريعة الأسلمة و الكوزنة التي ابتعتها ….
قلت رجل بهذا المقام عند أهله و وطنه يجب أن يعرَّف للناس فبُثَّ فيديو آخر معرَّفاً ب( قرى ام قناص تحتفل بخروج إبنها البطل بحر احمد بحر من سجون قحت ) …..
إلى هنا شكرت المعلق و كان الأمر عادياً بالنسبة لي وكذلك الرجل . لكن بعد أشهر من إطلاق سراح الرجل و اندلاع الحرب في عام ٢٠٢٣م ، عاد ذات الرجل (اللواء بحر) إلى الساحة مرة أخرى لكنها ساحة أوسع من قرى ام قناص و محلية أم روابة بل و ولاية شمال كردفان …..
عاد إلى ساحة الوطن الكبير السودان عندما اندلعت فيه النيران كأنه يقول :
و اذا ارتاد الفتى المنايا
فأدنى ما يمر به الوُحولُ ….
عاد بحر مسرجاً المنايا، ملقياً بنفسه في ساحة المعركة و ألهبة النيران أكثر عزيمة ، و أقوى شكيمة ، و هو (بحر) وهل تطفأ النيران إلا بالبحر ؟؟ ……
من هنا أدركت سعة البحر و بدأت أتتبع الرجل و هو يقود العمليات العسكرية في منطقة بحري و بدأت تتكشف لي قدراته و صولاته وتلوح مع كل أفقٍ انتصاراته ……
أخذ (بحر) ينداح في مدينة بحري متخذاً النيل الأزرق الذي كان غاضباً كما هو وثائراً للسودان جناحاً و رافداً حتى فاض في القيادة العامة و المظلات و حطاب منحدراً شرقاً عكس طبيعة المجرى إلى شرق النيل . و كان أول القادة الذين فكوا الحصار عن القيادة العامة و دخلوها معانقين إخوتهم و مبشرين بالفتح و مفاتح النصر ….
كان بحر (كطبيعة) البحار مُرَّ المذاق عند (أعدائه) و سهل العناق مع أهله….
جمع في قسوته على عدوه و لينه مع أهله صفتي بحرين امتزجا هذا ملحٌ أجاج و هذا عذبٌ فرات و من كل يستخرج الحُلي و اللحم الطري …..
ظني أني أكبر منه سناً و اقدم منه توظيفاً قياساً برتبته التي هو عليها ، لكن العطاء لا يقاس بالسن و لا أقدمية التوظيف . و قد يفوقك عطاء من هو في عمر أبنائك أو احفادك . و من أكثر عطاء ممن قدم روحه فداءً للوطن و استشهد في سبيله ؟؟ ….
تعرفت على الأخ الشهيد بحر عبر قروبات و ملتقيات أبناء الجوامعة من خلال مداخلاته و تسجيلاته في شأن الوطن و القبيلة ….
جمعنا معه هم و دعم متحرك الصياد من أبناء قبيلة الجوامعة بالمال و الرجال عبر التواصل الإسفيري الذي جمع أبناء الجوامعة من كل حدب و صوب للدفاع عن المال و النفس و العرض و الأرض و قد كان نعم الحادي الحكيم ، و الشادي الرنيم …..
كان حصناً لوطنه و سيفاً مع أهله يقاتل هناك ، و يشاور و يحاور و يرشد هنا …..
يوحي لك من شدة مداومة تواصله أنه كما نفعل نحن مستلقياً على سرير أو متكئاً على وسير ….. الله الله على هذا الرجل كيف له التوفيق بين إدارة المعارك و تأمين (المبارِك ) ؟ …..
أنه البحر يتمدد ليسقي و يخضِّر البَّر ! ….
أرسل تسجيلاً صوتياً بعد دخول الصياد الى مدينة الرهد يحث فيه أبناء قبيلة الجوامعة على استئناف الاستنفار لتبديل اخوتهم الذين انضموا لمتحرك الصياد منذ عام و نصف للعودة الى أسرهم في إشارة ل(استراحة محارب) . و بالأمس القريب قبل أربع أيام من استشهاده في ٢٠٢٥/٢/٢٥م كان يدير معنا حواراً في قروب تنسيقية عموم الجوامعة حول مآلات قبيلة الجوامعة و مستقبل الولاية التنموي بعد الحرب داعياً إلى الوصل بين أبناء القبيلة و الوحدة حول الوطن و سد الثغرات و رتق ما تهرأ جراء الحرب من نسيج القبيلة و الوطن …..
وكان بحر خيار من خيار فاختاره الله من الأخيار……..
هذا هو البحر الذي عرفته دون الخوض في عمقه و لست أكثر معرفة به ممن خاضوا عمقه ….
و أنا إذ أنعي بحراً لأهله و ذويه و قبيلته و وطنه إنما أنعي في شخصه رفاق له في قامته وهامته نالوا معه شرف الشهادة بعدما عرَّفهم الله لنا بما قدموه من تضحيات برجولة و ثبات مهدوا طريق النصر لقواتنا المسلحة و عبَّدوا طريق الشهادة في سبيل الوطن فابشروا ببيعكم الذي بايعتم به …. فقروا عيناً و انتم الأعلون تستقبلون شهر رمضان بنيل شرف الشهادة في جنات الخلود عسى الله يبعث مِنَّا و فِينا من أمثالكم و يدخلكم الجنة عرَّفها لكم …..
ناموا و أنتم أحياءٌ بيننا و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون …..
و هذا نعي من سمع ، و ليس من سمع كمن رأى …..
اللهم تقبل شهداءنا و ارحم موتانا و اشف جرحانا و انصر جيشنا و ثبت به ديننا ،و أمِّن و احرس به و طننا و ديارنا و أنفسنا و اعراضنا و اموالنا …..

الغالي الزين حمدون
٢٠٢٥/٢/٢٦ م .

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.