متابعات الخبــــر الســــــوداني
لم تكن معركة الكرامة مجرد جولة عابرة في حرب السودان، بل مثلت نقطة تحول فارقة أعادت رسم المشهد العسكري والسياسي في البلاد. صحيح أن بعض الأطراف تأخرت في دخول المعركة، وصحيح أن بعض القوى كانت في البداية تصطف في الجهة الخطأ، لكن الجميع في النهاية اجتمع تحت راية واحدة، وساهم في تحقيق النصر. فلماذا يحاول البعض إنكار دور طرف على حساب الآخر؟
القوات_المسلحة: القائد والموجه وصانع الانتصارات
منذ اليوم الأول، كانت القوات المسلحة السودانية هي الركيزة الأساسية في الحرب، فهي من تحملت الصدمة الأولى، وخاضت معارك الصمود في الخرطوم ومدن السودان الأخرى، وهي التي حافظت على الدولة من الانهيار. بقيادة القائد العام، ومن خلال هيئة عملياتها التي أدارت المعركة بحنكة، استطاعت القوات المسلحة أن تعيد ترتيب صفوفها، وتكيّف استراتيجياتها وفق مسار الحرب.
بقيادة جهاز المخابرات و قواته بالنخبة الأولى والثانية، شكلت رأس الحربة في العمليات الحاسمة، حيث نفذت اختراقات عميقة في خطوط العدو، ووجهت ضربات نوعية أربكت خطط الجنجويد. أما الطيران الحربي، والمسيرات القتالية، فقد لعبت دوراً مفصلياً في استهداف مراكز القيادة والإمداد للجنجويد، مما أدى إلى إنهاكهم وشل قدرتهم على الهجوم والتوسع.
كتيبة_البراؤون: درع القوات المسلحة ورأس حربتها في الهجوم
من بين التشكيلات القتالية التي صنعت الفارق في المعارك، برزت كتيبة البراؤون(البراء بن مالك) ، التي حملت على عاتقها تنفيذ العمليات النوعية والاقتحامات الهجومية الصعبة. كانت هذه الكتيبة درعاً للقوات المسلحة، حيث تولت اختراق دفاعات العدو والتوغل في مواقعه، مما جعلها تتحمل أعلى نسبة من الشهداء في صفوفها.
لم تكن معركة واحدة إلا وكانت كتيبة البراؤون في مقدمتها، تتقدم بخطوات سريعة وخطيرة، وتحقق إنجازات ملموسة على الأرض. كان لجرأتها في التوغل دور بارز في زعزعة تماسك الجنجويد، حيث أربكت صفوفهم وكبدتهم خسائر فادحة، مما ساهم في تسريع وتيرة الانتصارات خلال الشهور الأخيرة.
القوات_المشتركة: من الحياد إلى قلب موازين المعركة
ثمانية أشهر من الترقب، ظلت القوات المشتركة تراقب المشهد دون الانخراط المباشر في القتال، وهو ما اعتبره البعض حياداً سلبياً. ولكن حين حان الوقت، تحركت هذه القوات بفعالية، فأغلقت خطوط الإمداد أمام الجنجويد، ومنعت وصول الذخيرة والإمدادات، مما أدى إلى إضعافهم في مناطق حيوية. كان دورها في حماية الفاشر واستعادة مناطق أخرى حاسماً، وأسهم بشكل مباشر في تعزيز موقف القوات المسلحة في المعركة، لا ينكرها إلا مكابر، أو متحيز.
درع_السودان: من صفوف الجنجويد إلى صفوف النصر
لا يمكن إنكار أن قوات درع السودان كانت في صفوف الجنجويد يوماً ما، لكن التحولات في الحرب دفعت قيادتها إلى مراجعة موقفها. وبانضمامها إلى القوات المسلحة، تغيرت موازين القوة، إذ استُثمرت خبرتها في تكتيكات الجنجويد ضدهم، مما مكّن القوات المسلحة من استباق تحركاتهم وإضعافهم من الداخل، الأمر الذي سرّع من انتصاراتها بشكل لافت، وجعل تحرير مناطق واسعة ممكناً في وقت قياسي مقارنة بالفترات السابقة، وهذه حقيقة لا يرفضها إلا جاحد، أو صاحب غرض، أو توجه .
القائد_العام: من أخطاء البداية إلى قيادة النصر
كتب / أحمد علي عبدالقادر
ولن نجد مثالا أروع من موقف القائد العام، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي لم يكن بمنأى عن الأخطاء ، إذ سُمح للجنجويد بالتمدد في بعض المناطق، وتأخرت بعض القرارات الحاسمة. لكن القيادة تُقاس بقدرتها على تصحيح المسار، وإعادة الأمور إلى نصابها،بكل رباطة جأش و حنكة قائد وهو ما تحقق بفضل إعادة ترتيب الأولويات، وإدارة العمليات الحربية بكفاءة عالية تدرس في تجارب الكليات العسكرية مستقبلاً و سياسة “حفر الإبرة ” كأحدث طريقة مبتكرة في تاريخ الحروب ، حتى وصلت المعركة إلى مرحلتها الحاسمة التي كُسر فيها ظهر العدو و رأيناه يترنح اليوم.
النصر حصيلة تضحيات الجميع
في الحرب، لا يوجد طرف نقي من الأخطاء، لكن الأهم هو القدرة على التصحيح والتكيف. القوات المسلحة، القوات المشتركة، درع السودان، براؤون، وكل القوات الأخرى غير المشهورة ، لعبت أدواراً مهمة في تحقيق النصر، سواء تأخرت في الانضمام كالمشتركة ، أو كانت في صف الخصم ثم غيرت موقفها كالدرع.
إن محاولة التقليل من دور أي طرف، أو تصوير النصر على أنه حكر على جهة دون الأخرى، هو تحريف للحقيقة. فالنصر الذي تحقق لم يكن بجهد فردي، بل كان ثمرة تضحيات الجميع، ومن يحاول تجاهل هذه الحقيقة، فإنه يكتب سردية ناقصة لن تصمد أمام وقائع التاريخ.