متابعات الخبــــر الســــــوداني
في وقتٍ سابق، أطلقتُ تحذيرًا صريحًا بشأن الخطر الداهم الذي يشكله الجنجويد القادمون من غرب أم درمان والمتمركزون بمدينة بارا، وها هو اليوم يتحقق ذلك الخطر على أرض الواقع، حيث تجلت المأساة بوجهها الدموي في قرى محلية أم دم حاج أحمد بشرق كردفان.
الهجوم الوحشي استهدف قرى متعددة ضمن المحلية، منها: إدارية المزدلفة، وام جرف ، وأم تقر، وأم كروة، والغبشاب، والروكب، والفريعات، والسرحة، وأم القرى، بالإضافة إلى مناطق أخرى لم تسعفني الذاكرة لذكرها جميعًا. وقد شمل الاعتداء القتل العشوائي، والنهب المنظم، وحرق المنازل، وتهجير الأسر الآمنة. ولم تسلم الممتلكات، حيث تم نهب العربات، واجهزة الاستارلينك التي يعتمدون بها في التواصل مع ذويهم لان تلك المناطق ليس بها شبكات اتصال بالاضافة الى الهواتف الذكية، والمبالغ مالية، وحتى المواد التموينية، في مشهد يعيد إلى الأذهان أبشع صور الجرائم التي ظل البعض ينكر وقوعها.
أهالي أم دم لم يكونوا طرفاً في أي صراع، ولم يحملوا سوى أدوات الزراعة وقوت يومهم البسيط، لكنهم اليوم يدفعون ثمن تأخر حسم فلول الجنجويد في غرب أم درمان و بارا، وتأخر تحرير مدينة بارا رغم تحرير أم روابة والرهد وفك الحصار عن الأبيض. هذا التأخر سمح بانتشار الميليشيا باتجاه شرق كردفان، لتقع قرى أم دم ضحية جديدة لذات المشهد المتكرر من الإجرام والترويع.
واليوم، بعد إعلان الخرطوم والنيل الأبيض خاليتين من الجنجويد، من المتوقع أن تتزايد أعدادهم وتتحصن فلولهم في شمال كردفان، خاصة بمدينة بارا، مع تمددهم شرقا باتجاه قرى محلية أم دم. وعليه، يجب على الأهالي أن يعدّوا العدة، وأن يتوحدوا صفًا واحدًا، وتتولى تنسيقية عموم الجوامعة مسؤولية تمثيل صوت القرى المنكوبة، ومطالبة الدولة بضرورة التحرك العاجل لدحر هذه العصابات التي تهدد بقاء المجتمعات.
ما جرى لم يكن مجرد اعتداء عابر، بل هو حصار حقيقي حرم السكان من الأسواق، وعطل مورد رزقهم القائم على التجارة المحلية ومع اقتراب فصل الخريف، فإن استمرار هذا التهديد دون حسمه يعني كارثة اقتصادية وإنسانية جديدة، تتمثل في حرمان المزارعين من زراعة أراضيهم، وتهديد أمنهم الغذائي في أشهر قادمة حرجة.
نحن اليوم أمام مفترق طرق: إما أن نكون صوتا للضحايا، أو شهود زور على مذابح ترتكب بحق أهلنا.